والخطاب في هذه الأحكام يتوجّه إلى المجتمع، بصفة الاجتماع، فلا يمكن ولا يجوز أن يتولّى فرد أو أفراد من تلقاء انفسهم إجراء الحدود الشرعية، مثلا أو القضاء أو قيادة القتال، وذلك لاستحالة التنفيذ الفردي لهذه الأحكام عادة، والطريقة الطبيعيّة لتنفيذ مثل هذه الأحكام والخطابات الموجّهة إلى المجتمع من حيث المجموع، هو التنفيذ المركزي لهذه الخطابات، وذلك بقيام ولي الأمر وجهاز الحكم المركزي بتنفيذ مثل هذه الأوامر، المتعلّقة مثلا بإجراء الحدود الشرعية، أو القضاء وفصل الخصومات، وقيادة القتال والحرب، وأمثال ذلك. وبذلك تتحقّق (الصفة الجمعية) في التنفيذ المطلوبة في مثل هذه الأحكام، ومن هذه الأحكام قوله: ( السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا )[26]. ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَة )[27]. ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ)[28]. ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه )[29]. وغير ذلك من الواجبات الاجتماعية في القرآن، وهذه الطائفة من الآيات لا تخاطب الأفراد على نحو (الواجب الكفائي)، بحيث يكون لكل فرد خطاب، فاذا امتثل للخطاب من به الكفاية سقط من الآخرين، وإن لم يمتثله أحد منهم عوقبوا جميعاً. ولا تخاطب الأفراد على نحو (الواجب العيني)، بحيث يكون لكل فرد منهم