الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)[323]. وهذه الآيات وغيرها جميعاً تقرّر حقيقةً هامةً، وهي أنّ الإمامة والملك والولاية العامة على الناس لا تتمّ إلاّ بنصب وتعيين من جانب الله. وممّا يزيد في تبيان وإيضاح هذه الحقيقة قوله تعالى في تمليك طالوت: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[324]. وقد قرّر لهم نبيّهم هذه الحقيقة الهامّة من سنن الله تعالى في حياة الناس الاجتماعية، عند ما أنكروا أن يكون له الملك (قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) في جواب هذا الإنكار يقول لهم نبيّهم: (وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء). وإذا تأمّلنا في إنكار القوم لملك طالوت، نجد أنّ هذا الإنكار يتوجّه إلى حقّ الله تعالى في تمليك طالوت عليهم، وفي اصطَفاء الملوك والائمة وولاة الأمر. فيكون الجواب إذا بمعنى: أنّ الله هو وحده صاحب الحقّ والقرار في اتّخاذ من يشاء إماماً أو خليفةً أو ملكاً، وليس لأحد غيره حقّ ولا قرار في ذلك. و«الإيتاء» هنا بمعنى النصب والجعل لا بمعنى الرزق، ولو كان بمعنى الرزق لم يكن معنىً للسؤال والجواب. ومعنى هذه الجملة: أنّ الله ينصب للملك من يشاء. والشواهد على ما ذكرنا في القرآن كثيرة، تقرر جميعاً أنّ الله تعالى ينصب لعباده الأئمة وولاة الأُمور الذين يرتضيهم للناس ولاةً وأئمة.