التاريخ كلّه أنّ الناس أقرّوا حاكميّة طبقة أو فئة من الناس في عرض واحد. والشارع الإسلامي في كل تشريعاته لم يخرج ولا مرّة واحدة عمّا اتفق عليه العقلاء من دون استثناء، وكما لم يخرج الشارع ولا مرّة واحدة عن حكم العقل، كذلك لم يخرج عن الاُسلوب والطريقة والعرف الذي أجمع عليه العقلاء. هذا أوّلاً. وثانياً: عند تعارض الأحكام الصادرة من قبل الولاة، إذا كان حكم الثاني ناقضاً لحكم الأوّل، يلزم منه اختصاص الولاية بالثاني، وهو فرضٌ آخر غير تعدّد الولاية في عرض واحد ; وإن لم يكن حكم الثاني ناقضاً للأوّل فليس بحكم. وفيما لم تتعارض الأحكام، فهو وإن كان ممكناً بالنظر العقلي، ولكن يلزم منه الفوضى السياسية والإدارية التي لا يقرّها عقل ولا شرع. نعم يصحّ ذلك في اُمور من أمثال تكفّل شؤون الأيتام والأوقاف وأمثالها. وعليه، فلابدّ أن يكون المقصود من هذه الروايات وأمثالها اشتراط الفقاهة في الولاية، وليس ولاية كلّ فقيه في عرض واحد. وبتعبير آخر: إنّ هذه الروايات تدلّ على أنّ الحاكم لابدّ أن يكون فقيهاً، ولا تدلّ على أنّ الفقيه لابدّ أن يكون حاكماً. وفي نظرنا أنّ هذا هو التوجيه المعقول والعرفي لهذه الروايات.