المقدمة الثانية، وهي وجدانية. والنتيجة المترتّبة على هاتين المقدمتين: هي حرمة التعدّد في الأنظمة والحكومات، ما لم يكن هناك عنوان ثانوي يغلب العنوان الأولي، ويقتضي تعدّد الأنظمة والحكومات. والتوجيه الفقهي لهذه النتيجة: إنّ تعدد الأنظمة مظنّة الاختلاف والتفرّق، فتحرم من باب حرمة مقدمة الحرام: أمّا بناء على القول بالملازمة بين المقدمة وذيها في الوجوب والحرمة، فلا مجال للتشكيك فيه، ويتعيّن القول بحرمة هذه المقدمة ; لتبعية المقدمة لذيها في الحكم. وأمّا بناء على القول بعدم الملازمة ـ وهو الذي يختاره المتأخّرون من المعاصرين من فقهائنا غالباً ـ فإنّ العقل يحكم حكماً قطعيّاً بوجوب اجتناب المقدمة التي تفضي إلى الحرام أو ما يكون في مظنّة الإفضاء إلى الحرام، ويحكم بقبح ارتكابها، وحكم العقل يكفي في إلزام المكلّف بالارتكاب أو الاجتناب، وحكم الشرع إن وُجد يكون من الإرشاد إلى حكم العقل. على أنّ حكم هذا المورد بالخصوص يختلف عن حكم الأقسام الاُخرى من مقدمات الحرام. فقد قسّم المحقق النائيني (رحمه الله) مقدمة الحرام إلى ثلاثة أقسام: القسم الأوّل منه: ما لا يتوسّط بين المقدمة وذيها اختيار الفاعل، فإذا جاء المكلّف بالمقدمة يقع ذو المقدمة قهراً ومن دون اختياره، كما إذا علم المكلّف بأنّه إذا دخل مكاناً معيّناً فسوف يقع في الحرام قطعاً وقهراً ولا يتمكّن من التخلّف عنه. ويشمل هذا القسم ما لو كان المورد مظنّة للوقوع في الحرام، قريباً من القطع. وقد حكم المحقّق النائيني في هذا المورد بحرمة المقدمة حرمة نفسية لاغيرية ; حيث إنّ النهي الوارد على ذي المقدمة وارد عليها حقيقةً، فإنّها هي المقدورة