الدليل الخامس: النهي عن الاختلاف ورد في القرآن الكريم النهي عن الاختلاف، والأمر باجتناب النزاع والخلاف في مواضع عديدة، نذكر منها آيتين: الاُولى: قوله تعالى في سورة الأنفال: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[263]. وهي واضحة في المقصود، والحكم فيها معلّل بأنّ النزاع من أسباب الفشل والضعف: (فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ). والثانية: قوله تعالى في سورة آل عمران: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ)[264]. وهذه هي المقدمة الاُولى في هذا الدليل. والمقدمة الثانية: أنّ التعدّد في الأنظمة والحكومات من الأسباب العاديّة للاختلاف، وقد كان يعبَّر عن قيام حاكم جديد وولاية جديدة بـ (شقّ عصا المسلمين). ولا يصحّ نقض هذه المقدمة بالتعايش السلمي الموجود بين الأنظمة في العالم ; فإنّ هذا التعايش يتعرّض بين حين وآخر لخطر التصدّع، سيما في الدول المتجاورة والمتقاربة. والتاريخ الإسلامي شاهد على هذه الحقيقة. على أنّ معنى النهي عن التفرّق والاختلاف أوسع وأشمل من الحرب والقتال. والقرآن ينهى عن كل وجوه الاختلاف والتفرّق التي تعيق وحدة الاُمّة ونموّها وتكاملها، ووجود أنظمة وحكومات عديدة هو بالتأكيد من أسباب الاختلاف والتفرّق لو لم يكن من أسباب القتال والحروب الدائرة بين الأنظمة. وهذه هي