السيرة: صالح بعضهم على الجزية، وأعفى منها آخرين، وأمر ألاّ يُفتنوا عن يهوديّتهم ما رأوا أن يظلّوا عليها مقيمين. * * * أمّا صدقة المدينة التي ورد ذكرها في حديث أُم المؤمنين لابن أُختها أسماء، فقد كان بعضها ذلك القسم من أرض بني النضير الذي خصّص الرسول غلّته للفقراء والمساكين، وكان بعضها في حوائط «مخيريق» التي وهبها لرسول الله، ومخيريق هذا كان من ثراة بني النضير، وكان ذا علم ونظر في الدين. فلمّا أزفت آزفة «أُحد» قال الرجل لقومه: ألا تنصرون محمداً؟ فتعلّلوا تعلّةً ظنّوا أنّها معفيتهم من الأخذ برأي صاحبهم، فقالوا له: اليوم السبت! لكأنّما يدعوهم إلى رحلة صيد ليبلوهم أيكفون أيديهم أم يصيدون؟ كأنّهم يخشون إن لم يسبتوا أن يمسخهم الله قردةً وخنازير كأهل تلك القرية (الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ)[1463]. وكأنّهم بهذه العلّة يعفون أنفسهم من نصرة (النَّبِيَّ الاُْمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّورَاةِ وَالاِْنْجِيلِ)[1464]. لكنّها حيلة مخادع، وخدعة محتال. ويردّ عليهم مخيريق، قاشراً عنهم ما يدّعون من إيمان: لا سبت لكم. ثم يأخذ سيفه، فيمضي مع النبي، يقاتل بكلّ عزمات قلبه المضيء، حتّى تثخنه الجراح، فلمّا حضرته الوفاة، قال: أموالي إلى محمد، يضعها حيث يشاء. فكانت ثروته تلك عامة صدقات رسول الله[1465].