صلحاً، لم يُهرق فيها دم، ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب، ولم يعلم أن قد وقع فيها تقسيم، بل كانت للنبي خالصةً خاصّةً، ولمن اختصّ بالشيء حقّ مطلق في التصرّف فيه واستناداً إلى هذه الخصوصية نحلها النبي ابنته الزهراء. * * * وكفعل أصحاب خيبر فعل أهل وادي القرى. بدء الأمر تأهّبوا بالسلاح والرجال، إذ أدركوا أنّ محمداً لابدّ معرّج عليهم برجاله، الذين أظفرهم الله بالخيبريّين إذ هو عائد من ديارهم إلى المدينة. ونزل الرسول أداني أرض العدوّ، والأُفق قد اصطبغ بدم الشفق، والشمس قد جنحت إلى الغروب، فلمّا أن كان آخر الليل، قال الرسول: «من رجل يحفظ علينا الفجر لعلّنا ننام؟». قال بلال: أنا يا رسول لله. ولاشكّ في أنّ فَيْأَهم إلى النوم، كان يعبّر عمّا يحسّون من طمأنينة، لكن عينه غلبته، وصحبه كلّهم رقود، فلم يوقظه إلاَّ مسّ الشمس وقد أشرق النهار. وهبّ الرسول: «ماذا صنعت بنا يا بلال؟». ـ يا رسول الله، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك. ـ «صدقت»[1462]. ثم التقى الجمعان، فما أن صلصلت سيوف، وتعانقت رماح، حتّى أيقن أعداء الله أنّ حياتهم في الإذعان. وعلى أثرهم قَبِلَ أهل تيماء الجزية من غير قتال، وبذلك دانت اليهود كلّها للنبي، وأصبح محمد والذين معه بمأمن من ناحية الشمال إلى الشام، كما كانوا بمأمن بعد الحديبية من ناحية الجنوب. ومع ما فرط منهم من الإساءات في حقّ الرسول سنين عدداً، فقد أحسن فيهم