أمّا بنو النضير، فقد كان منهم وعليهم، ما أنبأتنا به الأحداث، وانتهى بهم في العام الرابع إلى إلقاء السلاح، والاستسلام لجند الإسلام. وأمّا بنو قريظة فقد استُؤصلوا استئصالاً في السنة التالية، في إثر «الخندق»، وكان غزوهم امتداداً لوقعة «الأحزاب». حاصرهم النبي خمساً وعشرين ليلةً حتّى جهدهم الحصار، فلمّا أيقنوا أنّ الرسول غير منصرف عنهم حتّى يناجزهم، قال لهم أحدهم، كعب بن أسد: يا معشر يهود، قد نزل بكم من الأمر ما ترون، وإنّي عارض عليكم خلالاً ثلاثاً، فخذوا أيّها شئتم. قالوا: وما هنّ؟ قال: نتابع هذا الرجل ونصدّقه، فوالله لقد تبيّن لكم أنّه لنبي مرسل، وأنّه للذي كنتم تجدونه في كتابكم، فإن فعلتم أمنتم على دمائكم وأموالكم وأبنائك ونسائكم. قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبداً، ولا نستبدل به غيره. قال كعب: فإذا أبيتم هذه عليَّ، فهلمّ فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالاً مصلتين بالسيوف، ولم نترك وراءنا ثقلاً يهمّنا، فإن نهلك نهلك، وإن نظهر فلعمري لنجدنّ النساء والأبناء. قالوا: نقتل هؤلاء المساكين! فما خير العيش بعدهم؟ قال: فإذا أبيتم، فإنّ الليلة ليلة السبت، وعسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها، فانزلوا لعلّنا نصيب منهم غرّة. قالوا: نفسد سبتنا، ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا إلاَّ من علمت، فأصابه من المسخ ما لم يَخْفَ عليك؟ فلمّا ضاقت عليهم السبل، ارتضوا بحليفهم سعد بن معاذ سيد الأوس أن يحكم فيهم، فحكم: أن يُقتل الرجال، وتُقسم الأموال، وتُسبى الذراري والنساء. فقسّم الرسول أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين، وأعلم في ذلك اليوم سُهمان الخيل، وسُهمان الرجال، وأخرج منها الخمس، فكان للفارس ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه ... وكان للراجل سهم. وكان ذلك أول فيء وقع