المسيرة الحثيثة، وظروف السياسة، والدوافع النفسية التي كانت ترين على جوّ الحياة في المجتمع الإسلامي آنذاك، هي التي قضت بتقدّم مطلب النِحْلة على كلّ ما عداه من آراب[1452]. وعلى ما جاء في حديث أُم المؤمنين، وورد في قول «الصادق» مصداقه، فقد صرف أبو بكر فاطمة وأهل البيت عن جميع ما هو لهم من حقوق فيما أفاء الله على الرسول. ووقع الحرمان في ثلاثة ألوان من المال: الفيء ... السهم ... الصدقة. وفي نطاق الفيء كانت النِحْلة، وفي نطاق خيبر كان السهم، أمّا الصدقة فكانت في مال آل إلى النبي من هبة «مخيريق»، وفي جانب من أرض بني النضير. وعن الفيء نقرأ في التنزيل الحكيم قول الله: (وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ)[1453]. وقوله تعالى: (مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[1454]. وتشير السورة الكريمة، مستقرّ هذا النطق القدسي، إلى قصة إجلاء بني النضير. ومحتوى أيتيها هاتين يدلّنا على أنّ الله أفاء على نبيّه ما تحصّل من أموال أُولئك اليهود. تذكر التفاسير في معنى الآية الأُولى: ... والذي أرجعه الله إلى رسوله من أموال بني النضير، قد خصّه به، وملكه وحده إيّاه ... فلم تسيروا عليه فرساً ولا إبلاً بالركوب حتّى يكون لكم فيه حقّ، بل مضيتم إلى حصونهم مشاةً لقربها من المدينة ... وقد سلّط الله النبي على بني النضير، فله فَيْؤهم يفعل فيه ما يشاء. وفيما ورد، بالآية التالية، تقول: « ... إنّه بيان لمصارف الفيء المذكور في الآية