إلى الكعبة طارت بلا جناح، ثم حامت حولها هنيهات، ثم حطّت بغتةً على سترها كما ينقضّ شهاب. وفي الحال زمجر[44] اللهيب، وشلّت المباغتة العقول والأوصال. * * * ألا ما كان أبلغ منطق ألسنة النار! لكأنّها تتحدّث بكلّ لغات الدمار! لكأنّما تفجرت الأرض كلّها بركاناً يثور! لكأنّما بُرِّزت الجحيم، لكأنّما تلظّت[45] السعير. إنّها لتزحف، عاويةً مسعورةً، كأنهار غضاب[46] من العذاب. وإنّها لتسرح منهومة شرهة على الكعبة، تزدرد[47] منها ما تشاء، وتلتهم ما تشاء. وعندما خلص الناس من صدمة المباغتة، وهبوا من غشيتهم ليبطشوا بتلك الفراشة الجهنمية التي طفقت ترقص رقصة الفناء على الأرض والجدران والأستار، كان الحريق المجنون قد نال من البقعة المقدّسة شرّ منال. وتلفّت القوم مفجوعين يتساءلون: ماذا وقع؟ ما الذي بقي، وما الذي ضاع من البناء الطاهر العتيق؟ بعضه قد تفحّم، بعضه قد تهشّم، وكلّه مشت عليه النيران العاتية مشية الزمن على طلل[48]، وصبغته بظلال قاتمة بدت كبقايا الوشم على يد موشوم.