وبدت ضبابة البخور الرمادية رقطاء[40]، فعلى ديباجتها الرقيقة أخذت تظهر نقط بيضاء كالنجوم، نقط تتراقص في رشاقة واتّساق. آناً تترآى وآناً تتوارى، تارةً تومض وتارةً تأفل، مرّة تشرق فتبرق، ومرّةً تبهت فتغرق في أغوار الدخان. * * * ومضت المجمرة المعطّرة في يد صاحبتها، تعلو وتهبط، وتلفّ وتدور، وهي تنثر الشذى الذكي، في جَنَبات[41] البيت الحرام، بين الأَبْهاء[42]، على الجدران، عند الحطيم والحجر والمقام. * * * ولحظة أن أخذت المرأة تدثّر الكعبة بزفير الجمر، طفت فوق طرف غمامة البخور العائمة في جوّ المكان، قطرة من ضياء، كأنّها فقاعة هواء في ماء رقراق. كانت بهيّة السنا واللألاء، كان كفراشة هائمة حيرانة، تتأرجح وتتذبدب على غبش[43] الدخان الرمادي، باحثة عن طريقها إلى التحرّر. كانت شرارة نار. * * * في لمحة عين، تركت قطرة الضياء الوهّاجة موكب الضباب الذي تسير فيه، واتّجهت إلى ذلك البناء الأقدس الأغرّ الذي بدأت تتجمّع حوله سحابات العطر.