فإن يكن عجباً من العجب ـ وانّهم لإخوة ورفاق ـ أن يقع بينهم ما وقع، وينشب ما نشب، فأعجب منه وأمعن في العجب أن تكون ذريعتهم إلى اللدد[35] والشقاق هذه الكعبة، وإنّها لرمز سلام ووفاق! لكن الأغرب المستنكر غلب الأوْلى المنتظر، والمحال اقتحم واقع الحال. * * * وهذه هي بداية الأمر كلّه: الجمر أحمر، ومض[36] وتلألأ كحصوص[37] الياقوت، احترق عليه الصندل[38] والعود، تعالت من المجمرة سحائب البخور، تردّدت أنفاس المسك والعنبر، امتلأ الجوّ بنفح الطيب. فثمّة امرأة رأت على نفسها حقّاً لبيت الله أن تبخّره، إنّها تطوف بمجمرتها، في أرجائه، هنا وهناك، لا تمرّ منه بموضع إلاّ غسلته بأريج العطر الذي ينفثه الجمر. وكانت تتحرّك كأنّها في حلم، كانت كسابحة على الهواء، خفيفة كطيف، نعسانة الخُطى كنسمة صيف. سحائب البخور تلتفّ حولها التفاف ثوب شفّاف، والدخان الرقيق ينبثق من بين الرماد المتوهّج انبثاق ينبوع، ثم يتلوّى كجدول يحاول تياره الحائر أن يجد لنفسه منفذاً بين الصخور، ثم ينعقد براعم براعم، وعناقيد عناقيد، ثم تنفرط العناقيد انفراط حبّ وثمار، وتتفتّح البراعم عن زهر ونوار[39]. ثم تنساح هذه وتلك، وهي ترفّ وتشفّ، حتّى لتغدوا بلون السماء الشهلاء ساعة ميلاد النهار. * * *