فهاهم أولاء، بعد الولاء أعداء، ها هم نقيضان لا يلتقيان. ها هم بنو عدي وبنو عبد الدار في حلف، ومن عداهم من قبائل قريش في آخر. * * * فما للقوم! ما خطبهم، وماذا غيرهم؟ وأين عِرْق الأصل، وصِلَة الرحم، ووثاق الدم، وعِشْرة العمر؟ تبدّدت كهباء[32]. وها هي صلة هذا البيت العتيق العريق: حرم الله، التي وشجت ما بينهم، ولمّت شعثهم[33]، وجمعت شملهم، ووصلت حاضرهم بماضيهم، ولفّت أجيالهم المتعاقبة عبر الزمن حول صرحه الأشمّ[34]، كالسياج المنيع، منذ رفعه جدّهم الأعلى إبراهيم، لم يعصمها منهم عاصم، وأوشكت أن تنهار. تلك الصلة الروحية القدسية، الضاربة إلى بعيد في أغوار الأعصر، أخذ يلعب بها الشيطان، أحالها أداة إغواء، استغلّها كما استغلّ عاطفة حواء. فكيف جرفهم التيار؟ لكأنّهم ـ أمس القريب ـ إذ هدموا الكعبة الغرّاء ليعيدوا بناءها أرفع وأروع، إنّما هدموا بهدمها حصن وحدتهم الأهلية الوثقى، وقوّضوا دعاماته من الأساس. لكأنّما ـ في غمرة خلافهم هذا الأرعن ـ نسوا حرمة البيت المقدّس الذي جعله الله لهم وللناس كافّة مثابةً وأمناً، ونسوا معها حرمة القتال في البلدة الحرام. لكأنّي بهم لم تلدهم هاجر، لكأنّهم ليسوا بني إسماعيل. لكأنّ فريقيهم هذين آثرا أن يعيدا كرّةً أُخرى إلى الحياة مأساة هابيل وقابيل. * * *