إنّه لخطر يشيع في الهواء، يسدّ منافذ الفضاء، يملأ العيون، ويحشو الأسماع، ويكتم الأنفاس. وإنّ له لوناً قانياً كنفثات الشفق ومسايل[27] الجروح، وله وقدة[28] تشوي الأحاسيس، وله زهمة[29] تخنق الحلاقيم. وهل في جوار بيت الله آنذاك امرؤ يحلم بغد آمن، لا تصطفق فيه الأسنّة، ولا يصلصل[30] السلاح؟ * * * بل لا، ولا رجاء في أمان، فالبلدة المقدّسة صارت على فوّهة بركان. النقاش بين فريقي أهلها المتنازعين نقلهما إلى مثل ميدان قتال، التراشق بالكلام أوشك أن ينقلب إلى تراشق بالسهام. أقد تمزّقت الآن وشائج[31] القربى، التي جمعتهم من قبل في وحدة وثيقة، وتناثرت تحت الأقدام؟ أقد انحلّت كلّ عروة، وتقطّع كلّ رباط، فانبتّ الفرع من الأصل، وانفصل الحاضر من الغابر؟ أقد تحوّل الدم في عروقهم إلى ماء؟ * * * لعلّ كلّ هذا كان.