وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

يقيمون صلبه ثم يقهرونه على المشي وإن تخاذلت قواه، والتوت تحته رجلاه!! كان كلّ همّهم أن يضعوه دائماً في مرمى الأحجار، أن يذيقوه الإذلال، أن يتلذّذوا بما يعانيه. وأثخنته الجروح، واحمرّت الأرض، واختضبت نعلاه ... فما كان يسير إلاَّ على دمه المهراق[719]. وعندما قيّض[720] الله له أن يبلغ نهاية طريق العذاب، وفترت عنه حدّة المحنة، وقف مليّاً يلتقط أنفاسه، ثم رفع يديه إلى السماء، وهو غارق من قمة رأسه إلى أَخْمَصَيه في الدم والعرق والتراب، متّجهاً إلى الله يستصرخه ويستعينه على بلواه. وكان نشيد المناجاة الذي انطلق به قلبه من طرف لسانه داعياً ضارعاً، في خشوع واسترحام: «اللّهم إليك أشكو ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين! أنت ربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهّمني، أم إلى عدوٍّ ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أُبالي، لكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلاَّ بك». فأيّ نشيد! إنّه لغناء في الله! ديباجة[721] نُسِجت من ذوب القلب وصفاء الروح، اللحمة من غزل الألم العبقري، ومن خيوط أشعّة الإيمان السداة. وأكثر ما يكون الإنسان قريباً من ربّه ساعة المحنة والبلاء، فإن تكن غمّة تنزل بامرئ وتطبق عليه، فليس ثمّة عندئذ من مفزع له إلى لطف الرحمن، هو أهدى سبيلاً وأقوم من هذا النشيد النبوي العذب، الذي صيغت كلماته وحروفه من ضياء اليقين.