كلّهم عاشوه بالأجساد والأرواح، بالجوارح والمشاعر، بالأوصال والأعصاب. في خلوتهم كان يخامر الأخيلة[21] والعقول، في اجتماعهم كانت تلوكه الحلوق والأشداق[22]، في رقادهم كانت تبثّه الرؤى والأحلام. في مناخ إبلهم كما في مساري قوافلهم، في البيوت والمضارب كما في الطرقات والدروب، في الآهل المعمور كما في البَلْقع[23] الخراب، في بطن البلدة كما في البِطاح[24]. في كلّ مكان، وفي كلّ جانب من مكان. بل السوامر[25] التي تضمّ الرفاق والندامى، إبّان الليل، على شراب ولهو، وتندّر وحديث، لم تكن تخلو من شبح ذلك الخطر المستتر الماثل، الذي يخايل النوظر، ويخالط الخواطر، ويغزو القلوب. * * * ولم يأخذ الأمس ـ أيّ أمس تولّى ـ مارد الخط في ركابه عندما سار في رحلة المغيب، فهذا المارد الجبّار كان يعود من جديد، مع كلّ نهار، كما كان يسبح في الظلمة كان أيضاً يسبح في النور، كما كان يغرب في الليل كان يقبل مع الشروق، كان دائماً يتعلّق بشعاع الشمس البازغة[26] ويجيء. * * *