حتّى الأصابع راحت تتقبّض وتتوتّر، كأنّها مخالب تهمّ بالنشوب[15]. وحتّى السيوف راحت تهتزّ وتتحفّز[16]، كأنّها قضاء يهمّ بالنزول. كما في ساحة الوغى، قسم الخلاف أهل مكة صفّين متناجزين، كلاهما يواجه الآخر بأسلحة السخط والتجبّر والعنف، وكلاهما مشدود الأعصاب على أهبّة الهجوم. والأفق فوقهما أحمر، والسُحُب[17]، في جنبات سمائهما، دم متخثّر[18]. * * * الخلاف الناشب الآن بينهما استفحل، وغدا كمارد[19] رهيب. والإحساس الثقيل بالخطر المقبل قد عشش وأفرخ في كلّ الأذهان. وأهلها جميعاً في الهمّ سواء، لا فرق فيهم بين قريب وبعيد، كبير وصغير. * * * المقيمون بالبلدة كانوا يتنفّسون خوفهم من المجهول، صباح مساء. والظاعنون[20] عنها كانوا يصحبونه معهم على طريق الرحيل. والعائدون إليها، من بعد غياب، كانوا يرونه ستاراً من العذاب. * * * ما من فرد بمكة آنذاك إلاّ عاش ذلك الخطر الذي يوشك على التهام الأمان.