وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

بأيّتهما هو أشدّ شجناً وألماً، وأيّتهما هي عليه أثقل وأفدح. لا غرو، بل لا يعسر أن يقال: ربّما أحسّت الزهراء أنّ ثمّة أيضاً في وسط الشمعة ذبالة[595] ثالثة أُخرى، تزيدها احتراقاً على احتراق، وتضيف إلى قدرتها على الانصهار قدرةً تعدو بها، وتقفز قفزاً إلى مشارف النهاية. أَوَ ما كانت تدرك أنّ أباها قد أصبح ـ من همّيه هذين ـ كمن لا يطعم غير الحنظل، ولا يشرب غير الصاب، ولا يتنفّس ملء رئتيه غير لفح اللهيب؟ أَوَ ما كانت ترى كيف تضاعفت عليه آلامه، وتحالفت عوادي أيامه، بعد أن غاض[596] من واحة حياته ينبوع الحبّ والحنان، وتقلّصت الأفياء[597] والظلال؟ بل إنّ هذا لمحتوم، وليس بموهوم، فالثرى غيَّب عنه قرينة نفسه، رفيقة أُنسه، شريكة فرحه وشجنه، ملاذ سرّه وعلنه، المملية له ـ حين اليأس ـ في الرجاء أحلى الرجاء، الفادية له ـ حين اليأس ـ بالفداء أغلى الفداء. أو ما كانت الزهراء تدري كيف هان أبوها على رؤوس الشرك من سادة قومه، بعد أن مات أبو طالب، وعدم موته الظهير والنصير، فإذا قريش كلّها عليه إلْب[598]، تكيد له كيد حسد، وتغري به إغراء حقد، حتّى صار مطمعاً سهلاً لسفاهة الحمقى الأرذال، ومرتعاً مستباحاً لسفالة الطُعّام الجُهّال، كأنّه مُتنفس سهام يتبارى في التسديد إليه وإصابته رمي الرُماة؟ بلى! قد كانت. بلطف الحسّ كانت تدرك، وبرفّ العين كانت ترى، وبرهف السمع كانت تدري هذا وغيره ألمَّ بأبيها، ثم لا تكاد تحاجز دونه إلاَّ بصمت المحسور. * * *