في سنوات الدعوة الأولى رغم كلّ الظروف التي طرأت عليهم آنذاك وحساسيتها، وبدلاً من ذلك فضّلوا التعايش والإخاء على التباغض والعداء، برغم انتماءاتهم القبلية وتعدّد القبائل، وما كان بينها من عداوات ضارية، وثارات متقابلة، وظلّوا مع بعضهم البعض لمواجهة التحدّيات الخطرة التي كان يبرزها أعداؤهم في الداخل والخارج من حدود الجزيرة العربية، ثم التحدّيات الحضارية والثقافية التي استهدفت الفكر والثراث الإسلامي، والتي ظهرت بعد أن تخطّى المسلمون حدود الجزيرة باتجاه أوربا وأفريقيا وآسيا الوسطى. لقد ظلّ المسلمون على ثقة بدينهم وأنفسهم، يستلهمون قرآنهم وأحاديث نبيّهم الأكرم (صلى الله عليه وآله) في مواجهة المواقف المستجدّة، والتعامل مع الآخرين، ضمن نصوص واضحة ظاهرة، ولم يتكلّفوا تأويلها، ولا استجداء تفسيرها من غيرهم. وإلى هذا المعنى يشير الأستاذ العقّاد وهو يصف موقف المسلمين تجاه غيرهم من الحضارات الأُخرى، يقول في كتابه «التفكير فريضة إسلامية»: «خاضوا غمار الأفكار الأجنبية بين يونانية وهندية وفارسية، وعرضوا لكلّ مشكلة من مشاكل العقل والإيمان، وتكلّموا عن وجود الله ووجود العالم ووجود النفس، وخرجوا من سبحاتهم الطويلة في هذه المعالم والمجاهل فلاسفة مسلمين أيضاً، دون أن يعنتوا أذهانهم في التخريج والتأويل». فإذا لم يكن المسلمون يخشون تفاعلهم مع «الآخرين»، ملتقطين كلّ ما هو إيجابي ومفيد من علاقاتهم معهم، فحريّ بهم أن لا يخشوا تفاعلهم مع «بعضهم»، وأن ينطلقوا بثقة أكبر في علاقتهم فيما بينهم، مستوعبين كلّ ما هو مثمر ومفيد منها، بل وأن يزيدوا من تماسكهم في ظلّ تكالب أعدائهم على أُمتهم الخيّرة. وكم المفارقة هنا مثيرة للدهشة: أن يكون المسلمون «تقريبيّين» في سنوات دعوتهم الأولى وهم في ذروة قوتهم وسطوتهم، وأوج انتصاراتهم وتقدّمهم، بينما