بلا شكّ ـ إلى قوقعته وتحجيمه لدرجة أن يخيّل للمرء أنّه لايتّسع إلاَّ لمذهب واحد فقط! ولايتجاوز عرب الجزيرة!! وهل هذا إلاَّ مصادرة للإسلام وفكره الوقّاد؟ وليس من شكّ أنّ محاولة «قوقعة» الإسلام، وحبسه داخل أربعة جدران، لا يعني إلاَّ محاولة قتله بعد إفراغه من محتواه. ولذا لابدّ أن نقرّر ابتداءً أنّ ثمة مغالطة كبرى تمّ طرحها بقالب جديد في زماننا الحاضر، ضمن مقولة «الفكر المخالف» أو «الفكر الدخيل»، وأن نؤكّد أنّ هذه المقولة ما هي إلاَّ امتداد لتلك المقولات التي أُطلقت في ظلّ ذلك المناخ الذي ظهر فيه اختلاف المسلمين حول خلق القرآن، وانشغل علماؤهم طويلاً بالإجابة عن سؤال: هل القرآن مخلوق أم قديم؟ وضيّعوا جهودهم التي كانت من المفترض أن تصبّ في إطار إزالة هموم الأمة، وتكريس سعادتها، ضيّعوها في مناقشة قضايا لاتسمن ولاتغني من جوع. وهل ننسى محنة الإمام أحمد بسبب قضية خلق القرآن؟ وقبله الإمام الشافعي بسبب أشعاره في محبّة آل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) الذين فرض الله مودّتهم في قرآنه، ولولا حضور القاضي أبي يوسف الذي بذل جهداً كبيراً لإنقاذه لكان في عداد القرابين! ويقيناً أنّ التعصّب الأعمى والفكر المغلوط هما الصفتان البارزتان لأولئك الذين جرّوا المحنة لهذين الإمامين الجليلين،وسعوا إلى سحب مركبة الإسلام بعيداً عن ساحل الاستقرار والأمان. فليس هناك ما يمكن أن نسمّيه فكراً موافقاً وآخر مخالفاً، أو فكراً أصيلاً وآخر دخيلاً على المذهب! وإنّما هو فكر موافق للإسلام وآخر مخالف له، وفكر إسلامي أصيل وآخر دخيل. الأول منهما نافع ينبغي أن نسعى إليه ونلحّ في طلبه، والثاني ضارّ يجب مقاومته ونبذه. إنّ هذه الرؤية المشوبة بالخوف والذعر من «المسلم الآخر» لم يعرفها المسلمون