عند شعب مصر، والذي سبق في عمقه التاريخي عهد الدولة الفاطمية، ولعلّنا نجد الجواب عندما نقلّب وريقات التاريخ الإسلامي المدوّن، فنجد أنّ هذا الودّ والحبّ لآل البيت (عليهم السلام) قد نما وترعرع منذ صدر الإسلام، حين فتح الجيش الإسلامي الظافر بلاد مصر، وكان الروّاد الأوائل بهذا الفتح مجموعة من كبار صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وخواص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والدُعاة إلى حبّه وولايته، والمجاهرين بموقعه ومواقع أهل بيته (عليهم السلام) من الرسول (صلى الله عليه وآله) والرسالة، وعلى رأسهم: أبو ذرّ الغفاري والمقداد بن الأسود الكندي وأبو أيّوب الأنصاري، وعندها يمكننا التأكيد على أنّ مودّة أهل البيت (عليهم السلام) وحبّهم دخل قلوب المصريّين في اليوم الذي دخل فيها الإسلام، فقرنوا مع شهادتهم بأن لا إله إلاّ الله محمد رسول الله: ودّ آل محمد (صلى الله عليه وآله) وحبّهم. كلّ هذا قبل أن تستوثق الأُمور لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ويتصدّى لخلافة المسلمين، ويؤكّد هذه الحقيقة التاريخية ما نقله ابن الأثير في «الكامل» عن حوادث سنة 36هـ من أنّ مبعوث الإمام علي (عليه السلام) إلى مصر دعا في خطبته إلى مبايعته «فقام الناس فبايعوه واستقامت مصر، وبعث عليها عمّاله...»، كما أورد المقريزي في «خطط مصر»: أنّ قيس بن سعد الأنصاري بُعث على مصر، فدخلها مستهلّ ربيع الأول سنة سبع وثلاثين للهجرة، ومصر يومئذ من جيش علي (عليه السلام). وتوّجت أجواء الحبّ والودّ والولاء لآل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) بتعيين الإمام علي (عليه السلام)محمد بن أبي بكر وقيس بن سعد على مصر، وهما خُلّص أصحابه والمحبّين لآل البيت (عليهم السلام)، فكان لهم الدور الرائد في تعريف شعب مصر بمقام أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم وفواضلهم، حتّى سرى حبّ آل البيت (عليهم السلام) وودّهم في عروقهم، وأشرق في نفوسهم، وانفلقت معانيه السامية في عقولهم. ولم يستطع الولاة والسلاطين الذين تعاقبوا على حكم مصر بعد استشهاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وخصوصاً في عهد معاوية بن أبي سفيان تغيير عقائد مسلمي مصر وحبّهم وولائهم لأهل البيت (عليهم السلام) رغم القتل والسجن والنفي للكثير منهم; وذلك لعمق عقيدتهم بأهل البيت (عليهم السلام)، ورسوخ حبّهم وودّهم لهم، وغاية ما استطاعوا فعله هو أنّهم حوّلوا أجهزة السلطة وجيشها إلى ولاية السلاطين، وصنعوا منهم أتباعاً لهم، يدورون معهم ما دارت معائشهم. أمّا في عهد بني العباس، وبعد أن استتبّ لهم الحكم والسلطان، اشتدّوا بالتنكيل بالعلويّين وآل البيت (عليهم السلام)، ممّا أدّى إلى بروز انتفاضات ونهضات علوية هنا وهناك، كان منها نهضة علي بن محمد بن عبدالله ـ وهو من أحفاد الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ـ وهو أول علوي دخل مصر في تلك الحقبة الزمنية وبويع فيها من قبل المسلمين، وكان له أثر كبير في إخراج محبّي أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم من عزلتهم التي ضربها عليهم بنو أُميّة ومن بعدهم بنو العباس. وتوالت انتفاضات العلويّين في مصر، ورغم أنّها لم تستطع أن تحقّق هدفها في إقامة حكومة موالية لأهل البيت (عليهم السلام)،إلاّ أنّها عزّزت حالة الولاء والحبّ لأهل البيت (عليهم السلام)عند أهل مصر. وظهرت حركة تجديد الولاء والحبّ لأهل البيت (عليهم السلام) مرّةً أُخرى في مصر على يد الفاطميّين، وقد أطلقوا على أنفسهم هذه التسمية نسبةً إلى السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام); لاعتقادهم بأنّهم من ذرّيتها ،وكان أول خليفة فاطمي استولى على الاسكندرية عام (301 هـ ) هو عبيدالله المهدي المنتسب إلى محمد بن إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وأقام حكومة السلسلة الفاطمية في تونس عام (308 هـ ).