العطف، فتمادت في خدمتها، ونسيت نفسها في سبيل عمّتها، فلازمتها وأصبحت كظلّها، وعافت الزواج لتنفرد بخدمتها، وتسهر على راحتها، وتقضي لها حاجتها، وما رحلت عمتها نفيسة بنت زيد إلى مصر، إلاّ شوقاً لبنت أخيها، وكان برّها لخادمتها «جوهرة»، ومعاملتها لها أحسن معاملة، فأشرب في قلبها حبّها، والإخلاص إليها إلى ما عرف عنها من إيثار ذويها وبرّهم، ممّا جعلها تملك قلوبهم. وكان كثيرة الخير والبرّ، تواسي البائسين، وتسعف الملهوفين، وتفرّج كرب المكروبين، وكان لها مال كثير إلى مال زوجها، تحسن من كلّ أولئك إلى المرضى والمحتاجين والناس عامةً، فما كانت تردّ سائلاً، ولاتمنع مستجدياً، وكانت تتعرّف من به حاجة، فتقضي حاجته، سخيّةً لكلّ من يتّصل بها، نديّةً لكلّ من يلوذ بها، ويحوم حول رحابها. وهب لها أحد الأمراء مائة ألف درهم، وقال: خذي هذا المال شكراً لله تعالى لتوبتي، فأخذته وصرّته صرراً بين يديها، وفرقت الصرر عن آخرها، وكان عندها بعض النساء فقالت لها: يا سيدتي، لو تركت لنا شيئاً من هذا الدراهم لنشتري به شيئاً فنفطر عليه؟! فقالت لها: خذي غزلاً غزلته بيدي فبيعيه بما تشتري به طعاماً نفطر عليه، فذهبت المرأة وباعت الغزل وجاءت بما أفطرت به هي وأيّاها، ولم تأخذ من المال شيئاً[356]. فهي الجوادة بنت الجواد، وهي من قوم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. وكانت رضي الله عنها عيوفة عزوفة، فما عرف عنها أنّها مدّت يدها لمخلوق، وما كانت تأخذ شيئاً ممّا كان يأتي اليها من منح الأُمراء والعظماء، بل أنّها كانت تبعث به إلى ذوي الحاجات، سخاء نفس وعزّة فطرة، وما كانت تنفق على نفسها وأفراد بيتها إلاّ ما كان من مالها أو مال زوجها أو ما يأتيها ممّا تغزله بيدها، وكانت لا تأكل طعاماً لغير زوجها.