ويقول الإمام أحمد بن حنبل: الزهد على ثلاثة أوجه: ترك الحرام وهو زهد العوامّ، وترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواصّ، وترك ما يشغل العبد عن الله، وهو زهد العارفين[355]. وهو زهد السيدة كريمة أهل الدارين، شعارها: الله أولاً، والمجتمع ثانياً. لله صلاتها ونسكها، ولله محياها، ولله مماتها. أخلاقها كانت رضي الله عنها وأرضاها، كريمة الخليقة، شريفة الطبع، غرّاء المكرمات، زهراء المأثرات. فقد صاغها الله من معدن كريم، وأنبتها نباتاً حسناً، فجمعت خلال الفتوّة والمروءة، فكانت معطاءة فيّاحة، فيّاضة، نفّاحة، جمّة المبرات، كثيرة الصلات، وهي مع هذا زاهدة متقشّفة. أمّا ما برأها عليه من عزّة نفس وحمى أنف، تربأ بنفسها عن مواطن الذلّ والابتذال، وتتصاون عن الامتهان والهوان، وهي مع هذا، لايذهب بنفسها زهو وكبرياء، ولايخالطها تيه وعجب، بل كانت متواضعة النفس، متطامنة الجانب. سلاسة طبع وسجاحة خلق، وبالإجمال: فأخلاقها مقتبسة من أخلاق جدّها المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وإنّه لعلى خُلق عظيم. وكانت المثل الأعلى في الوفاء لزوجها على وجه الخصوص، وعرفان حقوقه، والقيام بواجباته، وقد ساهمته الاخلاص والودّ، وعرف فيها هذا الخلق النبيل، فكان مثال الطاعة لها فيما تسلكه وتنحيه، فما خالف لها أمراً، ولا وقف لها في سبيل رغبة، بل كان يهيّئ لها ما تبتغيه، ويسهّل لها ما تريده، ولم يبخل عليها بشيء من ماله. وكانت عطوفة على أُسرتها، فهاهي تلك بنت أخيها زينب، وقد لمست في عمّتها