يأتي به، فعجبت من ذلك، فقالت: يا زينب من استقام مع الله تعالى كان الكون بيده وفي استطاعته»[354]. وكانت تمضي أكثر وقتها في معبدها أو حرم جدّها المصطفى (صلى الله عليه وآله)، على أنّه يقال: إنّها رضي الله عنها لم تكن سلبية في زهدها، تقاطع الحياة مقاطعةً تامةً كما يفعل بعض الزهّاد، إنّما كان هجرها للدنيا واقعاً على كلّ ما يعوقها عن الله وطاعته ومرضاته، ويعوقها عن العمل لآخرتها والتزوّد لها. كانت الآخرة وكان الموت نصب عينها، والدليل على ذلك حفرها قبرها بيدها، وقضاؤها شطراً من وقتها كلّ يوم تستلهم منه العظات، وتستوحي الصالحات. وهي بعد ذلك زوجة مخلصة، ولم يشغلها أيّ أمر عن مسؤوليتها كزوجة، حتى فاخر بها المؤتمن الدنيا، ويذكر للناس من حوله أنّه قد وجد فيها نعمة الله عليه، فلم تقصّر في حقٍّ له أبداً، ولم يشغلها أيّ أمر عن حقوقه وواجباته. وهي أُم ترعى الله في زوجها وولدها، تغدق بالحنان ولديها: أبا القاسم وأُم كلثوم، ترعاهما وتؤدّبهما حتى يصيرا نموذجاً صالحاً بشرف الانتساب إلى بيت النبوة. وهي ربّة بيت تشرف عليه، وهي محبّة للعلم حبّاً جعلها بحقّ نفيسة العلم. وتجتمع بذوي الحاجات من الناس، وتستمع اليهم، ولهذا شاهد مسكنها في المدينة وفود الزوّار من كلّ بلد اسلامي، خصوصاً من القادمين في مواسم الحج والراغبين في العلم، وقد كان أكثر هؤلاء الوفود، وأشدّهم حرصاً على لقائها كانوا من مصر. وضاقت دارها بالزائرين، كما حدث تماماً في مصر عندما طلبت الرحيل إلى الحجاز عند أهلها; بسبب ازدحام منزلها بالقاصدين اليها، كما سيأتي تفصيل ذلك فيما بعد. فزهد السيدة نفيسة إيجابي نافع، كما كان زهد الرسول إيجابياً، مثالياً في إيجابيته.