رأيتها نامت بليل ولاأفطرت بنهار، إلاّ العيدين وأيام التشريق. فقلت لها: أما ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبات لايقطعهنّ إلاّ الفائزون؟[350] وكانت تقول: كانت عمتي تحفظ القرآن وتفسيره، وكانت تقرأ القرآن وتبكي[351]. وقد سمع منها الحديث وتفسيره والفقه كثير ممّن قابلوها، فقد سمع منها بمصر غير الإمام الشافعي جمهور كبير من العلماء; كذي النون المصري، وعبدالله بن الحكم، وولديه محمد وعبدالرحمن، وعبدالرحمن البويطي، والربيعين المرادي والجيزي، وحرملة من أصحاب الإمام الشافعي رضي الله عنهم، وكثيرين غيرهم[352]استفادوا ممّا أفاضه الله عليها من فيوضات ممّا سيأتي بيانه بعد قليل، وما روته من أحاديث وآثار، وفقه وعلم ومعارف نبوية، فإنّها رضي الله عنها من أهل بيت اتّقوا الله فعلّمهم الله، وأنار قلوبهم بنور عرفانه، فكانوا من حلمة العلم وحضنته، ومن ذوي الفقه والدين، والمعرفة واليقين. وكانت السيدة الورعة زاهدة في دنياها، تؤمن بمنهج الزهد وتمارسه، وكان رائدها في طريق الزهد جدّها الأعظم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أحاطت بسيرته، وكان مرشدها هو ما قال الرسول (صلى الله عليه وآله) وما فعل، وقد مالت بطبعها من صغرها إلى حياة بعيدة عن زخرف الحياة وزينتها بالرغم من أنّ أباها كان أميراً للمدينة، وكان بلاشكّ يعيش عيشةً رغدة، ولكنّها ما كانت تستشرف إلى لذائذ الدنيا وشهواتها. وفي بيت أبيها نشأت ـ برغم ما يحيط بها من مظاهر الترف ـ نشأة الزهادة والتقشّف، فمثلاً كنت قليلة الأكل، ويروى: أنّها كانت تأكل كلّ ثلاثة أيام مرّة[353]. وتقول زينب بنت يحيى: «كنت أجد عندها ما لا يخطر بخاطري، ولاأعلم من