وافر، بالإضافة إلى ما حباها به الله عزّ وجلّ من حسن بارع وجمال رائع، وما امتازت به من سرى الأخلاق وكريم المناقب وحميد الشمائل، فكان أبوها يأبى عليهم إجابة طلبهم، ويردّهم ردّاً جميلاً، إلى أن أتاه إسحاق المؤتمن ابن جعفر الصادق رضي الله عنهما، وكانت دار الحسن قبالة دار جعفر الصادق، فخطبها من أبيها، فلم يردّ عليه جواباً، فقام إسحاق من عند الحسن، وفي نفسه ما فيها، وذهب توّاً إلى المسجد النبوي ودخل الحجرة الشريفة، ووقف تجاه القبر في خشوع وإجلال. فقال: «يا رسول الله، إنّي خطبت نفيسة بنت الحسن من أبيها فلم يردّ عليّ جواباً، وإنّي لم أخطبها إلاّ لخيرها ودينها وعبادتها». ثم انصرف، وقد انشرح صدره واطمأنّت نفسه. ففي تلك الليلة رأى أبوها الحسن جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) في النوم، وهو يقول له: «يا حسن، زوِّج نفيسة من إسحاق المؤتمن». فما أن أفاق من نومه حتى بعث إلى إسحاق يستدعيه اليه، فسارع اليه، وما أن جلس بين يدي الحسن حتى أخبره برؤياه، وما لبث أن عقد له على ابنته في حفل جمع جمهرةً من آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجماعةً من أشراف قريش، وكان في سنة إحدى وستين ومائة[335]. وبعد أن جهّزها أبوها وجليت لزوجها، بنى عليها في دار أبيه جعفر الصادق بالمدينة، وهي الدار التي كان يسقى فيها الماء الذي تصدّق به جعفر (رضي الله عنه)، وكانت تلك الدار قبلاً لحارثة بن النعمان الأنصاري الخزرجي. ثم من بني النجّار، وكان من فضلاء صحابة رسول (صلى الله عليه وآله)، وقد قال (صلى الله عليه وآله): «دخلت الجنّة فسمعت قراءةً، فقلت من هذا؟ فقيل: حارثة بن النعمان، فقال (صلى الله عليه وآله): كذلكم البرّ»[336]، وكان برّاً بأُمه، وكان قد ذهب بصره، فاتّخذ خيطاً في مصلاّه إلى باب حجرته، فكان إذا جاءه مسكين أخذ من مكتله شيئاً ثم أخذ بطرف الخيط حتّى يناوله، فكان أهله يقولون له: نحن نكفيك،