وقال الشعبي: والله ما ولدت النساء أفضل من زيد بن علي، ولا أفقه ولا أشجع ولا أزهد[333]. وقال أبو حنيفة: شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله، فما رأيت في زمانه أفقه منه ولا أعلم، ولا أسرع جواباً، ولا أبين قولاً. لقد كان منقطع النظير، وكان يدعى بحليف القرآن، قرأ مرّةً قول الله تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَيَكُونُوا أَمْثَالَكُم) فقال: إنّ هذا لوعيد وتهديد من الله تعالى، ثم قال: اللّهم لا ملجأ ممّن تولّى عنك فاستبدلت به بديلاً...[334]. ونشأت السيدة نفيسة رضي الله عنها نشأةً نبويةً، فإنّها بعد أن درجت بمكّة تحوطها العزّة والكرامة، استصحبها أبوها وقد أوفت الخامسة من عمرها إلى المدينة المنوّرة، وعاشت معه بداءةً، وأخذ يلقّنها ما تحتاج اليه من أمور دينها ودنياها، وكانت تذهب إلى المسجد النبوي تسمع من شيوخه، وتتلقّى الحديث والفقه من علمائه، وعاشت في مدرسة أبيها المحمدية، تسمع منه تاريخ دينها وتاريخ أسرتها. ومن بين الذين التقت بهم السيدة نفيسة في المدينة الإمام مالك الذي كان حديث الفقهاء والمسلمين جميعاً بكتابه «الموطّأ» وفقهه الذي انتشر في كلّ الأمصار، ووجدت السيدة كريمة الدارين في هذه الأجواء الرائعة مبتغاها، وقرأت «الموطأ»، وناقشت كلّ القضايا الدينية، وبدأت تزداد معرفةً كاملة، والناس من حولها بما فيهم الإمام معجبون بهذه السيدة الطاهرة، يسمعون آراءها في كلّ ما يتدارسون من فقه وسيرة وحديث. وبلغت كريمة الدارين سنّ الزواج، فرغب فيها شباب آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بني الحسن وبني الحسين رضي الله عنهم، كما تهافت على خطبتها الكثير من شباب أشراف قريش، لما عرفوه من خيرها وبرّها، ودينها وإيمانها، وصلاحها وتقواها، وما نشأت عليها من عبادة ربّها، وإقبالها على طلب العلم حتى ضربت فيه بسهم