بمظاهرته لبني العباس، ومناصرته لدولتهم، وكان أول من لبس السواد، شعار العباسيّين من العلويّين[316]. وقد لبث الحسن في حبسه إلى أن ولي المهدي الخلافة، وكان يعرف منه علمه واعتداله، وزهادته وعبادته، فأمر بإخراجه من حبسه، وقرّبه منه واصطفاه[317]. وكان الحسن ذا حزم في ولايته، وعزم في إمرته، وشدّة في أخذ الناس بالحدود وحرمات الله، لاتأخذه رأفة في دين الله، ولاتقفه رحمة عن إقامة حدوده. ولمّا عاد إلى المدينة لم يعاتب ابن أبي ذئب[318]. ولمّا توفي أبوه زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهو غلام، وترك عليه ديناً أربعة آلاف دينار، فحلف السيد حسن أن لايظلّ رأسه سقف إلاّ سقف مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)أو بيت رجل يكلّمه في حاجة حتّى يقضي دين أبيه، فوفى بنذره، ووفى دين أبيه[319]. ومن كرمه أنّه أتى بشاب شارب متأدّب وهو عامل على المدينة، فقال: يا بن رسول الله، لاأعود، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم»[320] وأنا ابن أبي أُمامة بن سهل بن حنيف، وقد كان أبي مع أبيك كما علمت. فقال: صدقت، هل أنت عائد؟ قال: لا والله! فأقاله وأمر له بخمسين ديناراً وقال له: تزوّج بها وعد إليّ، فتاب الشاب، فكان الحسن يحسن إليه[321].