أرسل إلى علي بالمصحف، فإنّه لا يأبى عليك. فجاء رجل على فرس بالمصحف، فقال: ندعوكم إلى كتاب الله بيننا وبينكم، فقال علي (عليه السلام): «نحن أولى بكتاب الله منكم». ومال أكثر الناس إلى الموادعة. وجاءت الخوارج - ونحن نسمّيهم يومئذ: القّراء - وأسيافهم على عواتقهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أتمنعنا أن نسير بأسيافنا إلى هؤلاء، فنقتلهم بحكم الله بيننا وبينهم؟! فقام سهل بن حنيف، فقال: يا هؤلاء القوم، اتّهموا أنفسكم، فإنّا قد كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الحديبية، ولو نرى قتالاً لقاتلنا. فجاء عمر، فقال: يا رسول الله، ألسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ قال: «بلى». قال: أوَ ليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار ؟ قال: «بلى». قال: فعلامَ نعطي الدنيئة في ديننا، ونرجع لما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله):« يا بن الخطّاب، إنّي رسول الله، ولن يضيّعني الله». فانطلق عمر وهو مغضب، فأتى أبا بكر، فقال له مثل ذلك. فقال له أبو بكر: إنّه رسول الله، ولن يضيّعه الله أبداً. فأُنزلت سورة الفتح، فأرسل إلى عمر، فقرأها عليه من أوّلها إلى آخرها. فقال عمر: أفتح هو يا رسول الله ؟ قال: «نعم». ثمّ قال سهل للخوارج: إنّ هذا فتح. فوضعت الحرب أوزارها بحكم الحكمين، ورجع علي (عليه السلام) إلى الكوفة، وفارقته الخوارج، ونزلوا حروراء، وهم تسعة عشر ألفاً، فأرسل علي (عليه السلام) إليهم، فناشدهم الله:« ما الذي نقمتم عليّ، أفي فيء قسمته، أم في حكم» ؟ وأتاهم صعصعة بن صوحان العبدي، فناشدهم الله أن يرجعوا، فأبوا. فقال لهم: ما الذي نقمتم؟ فقالوا: نخاف أن ندخل في فتنة. فقال: لا تعجلوا ضلالة العام مخافة فتنة قابل. قالوا: نكون على ناحيتنا، فإن قبل القضية قاتلناه على ما قاتلنا عليه أهل الشام يوم صفّين، فإن نقضها قاتلنا معه. فساروا حتّى قطعوا النهروان، وافترقت منهم فرقة يقتلون الناس. فقال أصحابهم: ما على هذا فارقنا علياً (عليه السلام)، فلمّا بلغ علياً (عليه السلام) صنيعهم قام، فقال:« تسيرون إلى عدوّكم، أو ترجعون إلى هؤلاء الذين خلفكم في دياركم»؟ قالوا: بل