القتال ـ سواء كان بعنوان الدفاع عن المسلمين أو عن بيضة الإسلام أو كان قتالاً ابتدائياً ـ دفاع عن حقّ الإنسانية في حياتها، ففي الشرك بالله سبحانه هلاك الإنسانية وموت الفطرة، وفي القتال ـ وهو دفاع عن حقّها ـ إعادة لحياتها وإحيائها بعد الموت. وبما مرّ من البيان يظهر الجواب عمّا ربّما يورد على الإسلام في تشريعه الجهاد بأنّه خروج عن طور النهضات الدينية المأثورة عن الأنبياء السالفين، فإنّ دينهم إنّما كان يعتمد في سيره وتقدّمه على الدعوة والهداية، دون الإكراه على الإيمان بالقتال المستتبع للقتل والسبي والغارات، ولذلك ربّما سمّاه بعضهم ـ كالمبلّغين من النصارى ـ: بدين السيف والدم، وآخرون: بدين الإجبار والإكراه! وذلك أنّ القرآن الكريم يبيّن أنّ الإسلام دين مبني على قضاء الفطرة الإنسانية التي لا ينبغي أن يرتاب أنّ كمال الإنسان في حياته هو ما قضت به وحكمت ودعت إليه، وهي تقضي بأنّ التوحيد هو الأساس الذي يجب بناء القوانين الفردية والاجتماعية عليه، وأنّ الدفاع عن هذا الأصل بنشره بين الناس وحفظه من الهلاك والفساد حقّ مشروع للإنسانية يجب استيفائه بأيّ وسيلة ممكنة. وقد روعي في ذلك طريق الاعتدال، فبدأ بالدعوة المجرّدة والصبر على الأذى في جنب الله، ثمّ الدفاع عن بيضة الإسلام ونفوس المسلمين وأعراضهم وأموالهم، ثمّ القتال الابتدائي الذي هو دفاع عن حقّ الإنسانية وكلمة التوحيد. ولم يبدأ بشيء من القتال إلاّ بعد إتمام الحجّة بالدعوة الحسنة كما جرت عليه السنّة النبويّة، قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [30]، والآية مطلقة، وقال تعالى: (ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حي عن بيّنة) [31].