وتدعون أن تستضيئوا بها في الظلم، ومن أجل ذلك سخّرت لكم. كذلك استضأتم بنور العلم لأمر الدنيا، وقد كفيتموه، وتركتم أن تستضيئوا به لأمر الآخرة، ومن أجل ذلك أُعطيتموه. تقولون: إنّ الآخرة حقّ، وأنتم تمهّدون الدنيا; وتقولون: الموت حقّ، وأنتم تفرّون منه; وتقولون: إنّ الله يسمع ويرى، ولا تخافون إحصاءه عليكم. وكيف يصدّقكم من سمعكم؟ فإنّ من كذب من غير علم أعذر ممّن كذب على علم، وإن كان لا عذر في شيء من الكذب. بحقّ أقول لكم: إنّ الدابّة إذا لم ترتكب ولم تمتهن وتستعمل، لتصعّب ويتغيّر خلقها. وكذلك القلوب، إذا لم ترقّق بذكر الموت وتتعبها دؤوب العبادة تقسو وتغلظ. ماذا يغني عن البيت المظلم أن يوضع السراج فوق ظهره، وجوفه وحش مظلم؟! كذلك لا يغني عنكم أن يكون نور العلم بأفواهكم، وأجوافكم منه وحشة معطّلة. فأسرعوا إلى بيوتكم المظلمة، فأنيروا فيها. كذلك فأسرعوا إلى قلوبكم القاسية بالحكمة قبل أن ترين عليها الخطايا، فتكون أقسى من الحجارة. كيف يطيق حمل الأثقال من لا يستعين على حملها؟ أم كيف تحطّ أوزار من لا يستغفر الله منها؟ أم كيف تنقى ثياب من لا يغسلها؟ وكيف يبرئ من الخطايا من لا يكفّرها؟ أم كيف ينجو من غرق البحر من يعبر بغير سفينة؟ وكيف ينجو من فتن الدنيا من لم يداوها بالجدّ والاجتهاد؟ وكيف يبلغ من يسافر بغير دليل؟ وكيف يصير إلى الجنّة من لا يبصر معالم الدين؟ وكيف ينال مرضاة الله من لا يطيعه؟ وكيف يبصر عيب وجهه من لا ينظر في المرآة؟ وكيف يستكمل حبّ خليله من لا يبذل له بعض ما عنده؟ وكيف يستكمل حبّ ربّه من لا يقرضه بعض ما رزقه؟ بحقّ أقول لكم: إنّه كما لا ينقص البحر أن تغرق فيه السفينة، ولا يضرّه ذلك شيئاً، كذلك لا تنقصون الله بمعاصيكم شيئاً، ولا تضرّونه. بل أنفسكم تضرّون وإيّاها تنقصون. وكما لا تنقص نور الشمس كثرة من يتقلّب فيها، بل به يعيش ويحيى، كذلك لا ينقص الله كثرة ما يعطيكم ويرزقكم. بل برزقه تعيشون، وبه تحيون; ويزيد