من شكره، إنّه شاكرٌ عليم. ويلكم، يا أُجراء السوء! الأجر تستوفون، والرزق تأكلون، والكسوة تلبسون، والمنازل تبنون، وعمل من استأجركم تفسدون! يوشك ربّ هذا العمل أن يطالبكم، فينظر في عمله الذي أفسدتم، فينزّل بكم ما يخزيكم; ويأمر برقابكم، فتجذّ من أُصولها; ويأمر بأيديكم، فتقطع من مفاصلها; ثمّ يأمر بجثثكم، فتجرّ على بطونها، حتّى توضع على قوارع الطريق، حتّى تكونوا عظةً للمتّقين ونكالاً للظالمين. ويلكم، يا علماء السوء! لا تحدّثوا أنفسكم أنّ آجالكم تستأخر، من أجل أنّ الموت لم ينزل بكم. فكأنّه قد حلّ بكم، فأظعنكم. فمن الآن فاجعلوا الدعوة في آذانكم، ومن الآن فنوحوا على أنفسكم، ومن الآن فابكوا على خطاياكم، ومن الآن فتجهّزوا، وخذوا أهبّتكم، وبادروا التوبة إلى ربّكم. بحقّ أقول لكم: إنّه كما ينظر المريض إلى طيّب الطعام، فلا يلتذّه، مع ما يجده من شدّة الوجع، كذلك صاحب الدنيا لا يلتذّ بالعبادة ولا يجد حلاوتها، مع ما يجد من حبّ المال. وكما يلتذّ المريض نعت الطبيب العالم بما يرجو فيه من الشفاء، فإذا ذكر مرارة الدواء وطعمه كدر عليه الشفاء. كذلك أهل الدنيا يلتذّون ببهجتها وأنواع ما فيها، فإذا ذكّروا فجأة الموت كدّرها عليهم وأفسدها. بحقّ أقول لكم: إنّ كلّ الناس يبصر النجوم، ولكن لا يهتدي بها إلاّ من يعرف مجاريها ومنازلها. وكذلك تدرسون الحكمة، ولكن لا يهتدي لها منكم إلاّ من عمل بها. ويلكم، يا عبيد الدنيا! نقّوا القمح وطيّبوه وادقّوا طحنه، تجدوا طعمه، يهنئكم أكله. كذلك، فأخلصوا الإيمان تجدوا حلاوته وينفعكم غبّه. بحقّ أقول لكم: لو وجدتم سراجاً يتوقّد بالقطران في ليلة مظلمة، لاستضأتم به، ولم يمنعكم منه ريح قطرانه. كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممّن وجدتموها معه، ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها.