بحقّ أقول لكم: من نظر إلى الحيّة تؤمّ أخاه لتلدغه، ولم يحذّره حتّى قتلته، فلا يأمن أن يكون قد شرك في دمه. وكذلك من نظر إلى أخيه يعمل الخطيئة، ولم يحذّره عاقبتها حتّى أحاطت به، فلا يأمن أن يكون قد شرك في إثمه. ومن قدر على أن يغيّر الظالم ثمّ لم يغيّره، فهو كفاعله. وكيف يهاب الظالم، وقد أمن بين أظهركم، لا ينهى، ولا يغيّر عليه، ولا يؤخذ على يديه؟ فمن أين يقصر الظالمون؟! أم كيف لا يغترّون؟! فحسب أن يقول أحدكم: لا أظلم، ومن شاء فليظلم، ويرى الظلم فلا يغيّره. فلو كان الأمر على ما تقولون، لم تعاقبوا مع الظالمين الذين لم تعملوا بأعمالهم، حين تنزل بهم العثرة في الدنيا. ويلكم، يا عبيد السوء! كيف ترجون أن يؤمّنكم الله من فزع يوم القيامة، وأنتم تخافون الناس في طاعة الله، وتطيعونهم في معصيته، وتفون لهم بالعهود الناقضة لعهده؟ بحقّ أقول لكم: لا يؤمّن الله من فزع ذلك اليوم من اتّخذ العباد أرباباً من دونه. ويلكم، يا عبيد السوء! من أجل دنيا دنيّة وشهوة رديّة، تفرطون في ملك الجنّة، وتنسون هول يوم القيامة. ويلكم، يا عبيد الدنيا! من أجل نعمة زائلة وحياة منقطعة، تفرّون من الله وتكرهون لقاءه. فكيف يحبّ الله لقاءكم وأنتم تكرهون لقاءه؟! فانّما يحبّ الله لقاء من يحبّ لقاءه، ويكره لقاء من يكره لقاءه. وكيف تزعمون أنّكم أولياء الله من دون الناس، وأنتم تفرّون من الموت، وتعتصمون بالدنيا! فماذا يغني عن الميت طيب ريح حنوطه وبياض أكفانه، وكلّ ذلك يكون في التراب؟ كذلك لا يغني عنكم بهجة دنياكم التي زيّنت لكم، وكلّ ذلك إلى سلب وزوال. ماذا يغني عنكم نقاء أجسادكم وصفاء ألوانكم، وإلى الموت تصيرون، وفي التراب تنسون، وفي ظلمة القبر تغمرون؟! ويلكم، يا عبيد الدنيا! تحملون السراج في ضوء الشمس، وضوؤها كان يكفيكم،