التوّابين ويحب المتطهرّين)([400]). وإذا ثبت هذا نقول: إنّ العبد إذا بلغ في الطاعة إلى حيث يفعل كلّ ما أمره الله، وكلّ ما فيه رضاه، وترك كلّ ما نهى الله وزجر عنه، فكيف يبعد أن يفعل الربّ الرحيم الكريم مرّةً واحدةً ما يريده العبد، بل هو أولى ; لأنّ العبد مع ضعفه وعجزه لمّا فعل كلّ ما يريده الله ويأمر به، فلأن يفعل الربّ الرحيم القدير به مرّةً واحدةً ما أراده العبد كان أولى، ولهذا قال الله تعالى:(وأوفوا بعهدي أوفِ بعهدكم)([401]). ثانياً: على أنّه لو امتنع إظهار الكرامة، لكان ذلك: إمّا لأنّ الله تعالى ليس أهلا لأن يفعل مثل هذا الفعل، أولأنّ المؤمن ليس أهلا لأن يعطيه الله مثل هذه العطيّة. والأوّل قدح في قدرة الله تعالى وهو كفر، والثاني باطل، فإنّ معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله، وأحكامه وأسمائه، ومحبّة الله وطاعته، والمواظبة على ذكره وتقديسه، وتمجيده وتهليله، أشرف من إعطاء رغيف واحد في مفازة، أوتسخير حيّة أوأسد، فلمّا أعطى المعرفة والمحبّة والذكر والشكر من غير سؤال، فلأن يعطيه رغيفاً في مفازة، أويسخّر ما يسخّره أقرب، ولا بُعد فيه. ثالثاً: وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حكايةً عن ربّ العزّة: «ما تقرّب عبد إلى بمثل أداء ما افترضت عليه، فلا يزال يتقرّب إلى بالنوافل حتّى أُحبّه، فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً، ولساناً وقلباً، ويداً ورِجْلا، بي يسمع وبي يبصر وبي ينطق وبي يمشي»([402]). وهذا الخبر يدلّ على أنّه لم يبق في سمعه نصيب لغير الله تعالى، ولا في بصره، ولا في سائر أعضائه، إذ لو بقي هناك نصيب لغير الله جلّ شأنه لما قال: أنا سمعه وبصره، فإذا