ثبت هذا فنقول: لا شكّ أنّ هذا المقام أشرف من تسخير الحيّة والسبع، وإعطاء الرغيف وعنقود من العنب أو شربة من الماء، فلمّا أوصل الله برحمته عبده إلى هذه الدرجات العالية، فأيّ بُعد في أن يعطيه رغيفاً واحداً أو شربة ماء في مفازة ؟ رابعاً: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حاكياً عن ربّ العزّة: «من آذى لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة»([403]) فجعل إيذاء الولىّ قائماً مقام إيذائه، وهذا قريب من قوله تعالى:(إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله)([404]) وقال تعالى:(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)([405]) وقال:(إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة)([406]) فجعل بيعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بيعةً مع الله عزّوجلّ، ورضاء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رضا الله جلّ جلاله، وإيذاء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إيذاء الله سبحانه، فلا جرم إذا كانت درجة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلى الدرجات، وكان واصلا إلى أبلغ الغايات. فكذا هنا، لمّا قال: «من آذى لي وليّاً فقد بارزني بالمحاربة» فدلّ ذلك على أنّه تعالى جعل إيذاء الولىّ قائماً مقام إيذاء نفسه، ويتأكّد هذا بالخبر المشهور أنّه تعالى يقول يوم القيامة: «مرضت فلم تعدني، واستسقيتك فما سقيتني، واستطعمتك فما أطعمتني، فيقول: يا ربّ كيف أفعل هذا وأنت ربّ العالمين ؟ فيقول: إنّ عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنّك لو عدته لوجدت لذلك عندي، وكذلك في السقي والإطعام»([407]). فدلّت هذه الأخبار على أنّ أولياء الله يبلغون إلى هذه الدرجات، فأيّ بُعد في أن