طالب (عليه السلام) بقوله مخاطباً عامله الحبيب محمد بن أبي بكر: «واعلموا عباد الله أنّ المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركوا أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت... إلى أن يقول: أصابوا لذّة زهد الدنيا في دنياهم، وتيقنوا أنّهم جيران الله غداً في آخرتهم، لا تُردُّ لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيب من لذة» ([3]). وهكذا ندرك البعد الاجتماعي إذا لاحظنا أن كلّ صفة أخلاقية في الإسلام ممّا بدت لأول وهلة فردية، فإنّها تمتلك أروع الأبعاد الاجتماعية الأصيلة. ثمّ تأتي عملية استعراض القائد لشؤون الدولة أمام شعبه، يبصّرهم بالحوادث الاجتماعية، بالتخطيط الاقتصادي والسياسي، بما مرّ من تنفيذ للخطط، وبالوضع السياسي الدولي، ومبررات الموقف الذي اتخذته الدولة من ذلك، وبما ينبغي أن يتخذه الشعب من موقف. كلّ ذلك بكلّ إخلاص ونزاهة وصراحة عَبَّرَ عنها علي (عليه السلام) حين قال: «أيّها الناس: انّ لي عليكم حقاً، ولكم عليَّ حق، فأمّا حقكم عليَّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأما حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم» ([4]). و إنّ الذي يعيش صلاة الجمعة اليوم في طهران يدرك بوضوح الدور الذي تلعبه هذه الصلاة في توعيه الأُمة، وإيقافها على المشاكل والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بها، خصوصاً إذا كان الخطيب خبيراً بكلّ هذه الأُمور، فيستمع الشعب لكلّ ذلك لينطلق محللاً واعياً معدّاً نفسه لله خلف قائده الإمام العالم الزاهد الشجاع المؤمن لتحقيق أهداف الإسلام، لا على أرضه فحسب، بل على كلّ ربوع الأرض الوسيعة، وإعادة أمجاد الإسلام التليدة. وإنّ عملية الدعاء لأئمة المسلمين لتمتلك بُعدها الحقيقي الأصيل، حيث تنطلق ملايين