يوم الجمعة، وأفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلته أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له» ([24]). وكلمة التوحيد هذه إثباتٌ للحاكميّة الإلهيّة في الحياة ونفيٌ لكلّ معاني الطاغوت والتجبّر، ومن هنا أعلن القرآن الكريم: أنّ كلّ الأنبياء (عليهم السلام) طالبوا اُممهم بأمرين: (عبادة الله، واجتناب الطاغوت)، فقال جلّ وعلا: (ولقد بعثنا في كلّ اُمّة رسولاً أنْ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) ([25]). وهكذا كانت حياتهم عليهم السلام عملاً على تحكيم شريعة الله في الاُمم ومحاربة لكلّ مظاهر الأصنام والطاغوت. إلاّ أنّ التجلّي الرائع لهذا الهدف يبدو في حياة سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، وربّما كان الربط الشديد للحجّ به ناتجاً من هذا التجلّي العظيم لمسألة تعبيد الأرض لله ومحاربة الأصنام والطاغوت بشتّى مظاهره. وقد تكرّر ذكر إبراهيم (عليه السلام) في القرآن تسعاً وستّين مرّةً، وفي ستٍّ وعشرين سورة، مع التركيز على الخصيصتين الرئيستين له وهما: توحيده، وصراعه ضدّ الطاغوت. أمّا توحيده، فيسخّر الحياة كلّها بكلّ نواحيها لله جلّ وعلا إذ يقول: (إنّي وجّهت وجهي للّذي فَطَرَ السّماواتِ والأرضَ حنيفاً وما أنا من المشركين) ([26]). وإذ يعلن: (إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين) ([27]). وإذ يعلن هو وابنه: (ربّنا تقّبل منّا إنّك أنت السميع العليم * ربّنا واجعلنا مسلمَين لك ومن ذرّيّتنا اُمّةً مسلمةً لك وأرِنا مناسِكَنا) ([28]).