ونهاره بين الخمور والطنابير، ولا يفرغ من مجالس النساء والندمان إلاّ ليهرج إلى الصيد، فيقضي فيه الأُسبوع بعد الأُسبوع بين الأديرة والبوادي والآجام([101])، لا يبالي خلال ذلك تمهيداً لملك ولا تدريباً على حكم ولا استطلاعاً لأحوال الرعيّة الذين سيتولاّهم بعد أبيه، ثقةً بما صار إليه من التمهيد والتوطيد وما سوف يصير. فكلّ خلاف جاز في المفاضلة بين علي ومعاوية غير جائز في المفاضلة بين الحسين ويزيد، وإنّما الموقف الحاسم بينهما موقف الأريحيّة الصراح في مواجهة المنفعة الصراح. وقد بلغ كلاهما من موقفه أقصى طرفيه وأبعد غايتيه، فانتصر الحسين بأشرف ما في النفس الإنسانيّة من غيرة على الحقّ وكراهة للنفاق والمداراة، وانتصر يزيد بأرذل ما في النفس الإنسانيّة من جشع ومراء وخنوع لصغار المتع والأهواء. أقام الحسين ليلته الأخيرة بكربلاء وهو لا ينتظر من عاقبته غير الموت العاجل بعد سويعات، فأذن لأصحابه أن يتفرّقوا عنه تحت الليل إن كانوا يستحيون أن يفارقوه في ضوء النهار، فأبوا إلاّ أن يموتوا دونه. وقال له مسلم بن عوسجة الأسدي: « أنحن نتخلّى عنك ولم نعذر إلى الله في أداء حقّك ؟! أمّا والله لا أُفارقك حتّى أكسر في صدورهم رمحي