وثمّ تعلّة أُخرى يتعلّل بها المفاضلون بين علي ومعاوية، ولا موضع لها في المفاضلة بين ولديهما الحسين ويزيد، وتلك ما يزعمونه من: غلبة معاوية على علي بحجّته في الإقناع ونشاطه أو نشاط أصحابه في الدعوة السياسيّة([98]). فهذه التعلّة إن صلحت لتعليل نجاح معاوية، فما هي بصالحة لتعليل نجاح يزيد ; لأنّ الذين انخدعوا أو تخادعوا للصيحة التي صاح بها معاوية في المطالبة بدم عثمان، كانوا يردّدون هذه الصيحة، ويساعدهم على ترديدها حقد الثأر المزعوم وسورة([99]) العصبية المهتاجة، ثمّ يساعدهم على ترديدها في مبدأ الأمر أنّ معاوية لم يكن مجاهراً بطلب الخلافة ولا متعرّضاً لمزاحمة أحد على البيعة، وإنّما كان يتشبّث بمقتل عثمان والمطالبة بدمه، ولا يزيد في دعواه على ادّعاء ولاية الدم وصلة القرابة. ولكنّ الصائحين بهذه الصيحة مع معاوية قد عاشوا حتّى رأوا بأعينهم مبلغ الغيرة على تراث عثمان، وعلموا أنّ المُلك هو الغرض المقصود من وراء تلك الفتن والأرزاء، وأنّ معاوية لا يقنع بأن يملك لنفسه حتّى يورّث المُلك ولده من بعده، وليس هو من أهل الرأي ولا هو من أهل الصلاح ولا هو ممّن تتّفق عليه آراء هؤلاء، ولكنّه فتى عربيد([100]) يقضي ليله