والحسين (رضي الله عنه) قد كان هو ومن معه من شباب آل علي ممّن ورث هذه القوّة البدنيّة كما ورثوا ثبات الجأش وحمية الفؤاد، وكانوا كفؤاً لمبارزة الأنداد واحداً بعد واحد حتّى يفرغ جيش عبيد الله من فرسانه القادرين على المبارزة، ولا يبقى منهم غير الهمل([427]) يتبدّدون في منازلة الشجعان كما تتبدّد السائمة المذعورة بالعراء. وكان مع الحسين نخبة من فرسان العرب كلّهم له شهرة بالشجاعة والبأس وسداد الرمي بالسهم ومضاء الضرب بالسيف، ولن تكون صحبة الحسين غير ذلك بداهة وتقديراً لا يتوقّفان على الشهرة الذائعة والوصف المتواتر ; لأنّ مزاملة الحسين في مثل تلك الرحلة هي وحدها آية على الشجاعة في ملاقاة الموت وكرم النحيزة([428]) في ملاقاة الفتنة والإغراء.. فإذا جرى القتال كلّه مبارزة بين أمثال هؤلاء ومن يبرزون لهم من جيش عبيد الله، فهم كفء للمنازلة وليس أملهم في الغلب بضعيف. وقد بدأ القتال بهجوم الخيل من قبل جيش ابن زياد، فأشرع أصحاب الحسين لها رماحهم وجثوا على الركب ينتظرونها.. فلم تقم الخيل للرماح وأوشكت أن تجفل مولّية بفرسانها([429]). فعدل الفريقان إلى المبارزة، فلم يتعرّض لها أحد من جيش ابن زياد إلاّ فشل أو نكص على عقبيه، فخشي رؤوس الجيش عقبى هذه المبارزة