جرت بين أتباعهما مقاتل كثيرة أضرت بهم جميعا كما أضرت بمفهوم الأمة الواحدة، ومكنت لأعداء الإسلام والمسلمين الشيء الكثير في الماضي والحاضر خاصة بعد ما أنهكت الحروب والمقاتل الداخلية الأمة الإسلامية ومكنت لأعدائها المتوالين عبر التاريخ من التتار والصليبيين وحملات الاستعمار وهي جديرة في حال استمرارها أن تمكن من الأمة الإسلامية حملات التغريب المستمرة منذ قرون، وحملات العولمة وما يسمى بالنظام العالمي الجديد. ومع أننا لا نريد بهذه المناسبة أن ننكئ الجراح القديمة بأن نسرد بعض تفاصيل هذا الصراع المقيت ولا أسسه المذهبية فإننا نريد أن نذكر هنا بالفضل والإشادة أن هذا الصراع المذهبي الدامي لم يخل من أناس كبار النفوس والقلوب وكبار العقول كان لهم من سماحة الصدر ورحابة الأفق وسعة العلم والحدب على الأمة حاولوا التوفيق في الخلاف والتقريب بين المسلمين لترد الأمة ما اشتجرت فيه إلى الله ورسوله ولتتفرغ جهودها الضائعة في الخلاف فيما بينها إلى التوحيد والتركيز في مقاومة مايتحداها من خارجها وهو أولى بالمقاومة وأجدر بتجميع الصفوف وتوحيد الجهود. من هؤلاء الشيخ جمال الدين الأفغاني وتلميذه الإمام محمد عبده. فقد كان الرجلان أسرع من تنبها إلى ضرورة توحيد الأمة في مقاومة الاستعمار بشتى أشكاله السياسية والثقافية والاجتماعية والعسكرية، وأن هذا التوحيد لن يتحقق إلا بالاتفاق على الأُصول العامة للإسلام ومبادئه الأساسية التي تحتفظ للمسلم بإسلامه ولا يضر بعد ذلك الخلاف فيما سواها لتتوحد الأمة تحت راية الإسلام وتتعاون فيما بينها على صد المحاولات الأجنبية التي تريد أن تستعبد المسلمين في ديارهم وتجتث أصول دينهم من قلوبهم لتتركها فراغا تملؤه بعد ذلك بما شاءت من أهواء وأفكار. وقد كان جمال الدين يرى أن السياسة في الحقيقة لا الدين هي التي أزكت نار الخلاف بين السنة والشيعة «فالملوك من السنيين – كما قال – هولوا وأعظموا أمر الشيعة لاستهواء العوام بأوهام غريبة وعزويات عجيبة على شيعة أهل البيت، ليتسنى له بذلك تحزيب الأحزاب، وتجييش الجيوش ليقتتل المسلمون بعضهم بعضا، بحجة الشيعة والسنة،