يساير بيئته، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذاً عن البيئة. ([39]) ويلاحظ أنه لم يكن ـ حين يميل إلى ترجيح رأي من الآراء ـ يغمط الرأي الآخر حقه، أو يهمل عرض كافة أدلته، بل كان يعرض الآراء في المسألة بأمانة، ثم بعد ذلك يرجح منها ما يراه راجحاً وفقاً لقوة الدليل، ومما يحققه الرأي الراجح من المصلحة بحسب النظر العقلي السديد. الفصل الثالث: دور الإمام الأكبر محمود شلتوت في التقريب بين المذاهب المبحث الأول: أساس فكرة التقريب ونشأتها الإيمان بالوحدة الإسلامية لا يمكن أن يستقيم إلا في ظل عقل فسيح الفكر رحب النظر يستطيع فهم فقه الخلاف من خلال الحرية المذهبية الصحيحة المستقيمة على نهج الإسلام، والتي كان عليها الأئمة الأعلام في تاريخنا الفقهي الزاهر حيث كانوا يترفعون عن العصبية الضيقة ويترفعون بدين الله وشريعته عن الجمود والتخلف، فلا يزعم أحد لنفسه أنه أتى بالحق الذي لا مرية فيه، وأن على سائر الناس أن يتبعوه، ويجب أن يتوافر بجوار ذلك العقل الفسيح إيمان قوي بتلك الوحدة يجعل صاحبه دائب العمل على تحقيقها ودائم السعي في سبيل رعايتها ونموها. وقد اجتمع هذان العاملان في شخص الإمام الكبير الفقيه الشيخ محمود شلتوت، ولهذا فإنه لم يكن يدخر وسعاً في سبيل السعي لتحقيق تلك الوحدة بكل ما منَّ الله به عليه من علم وذكاء وخبرة وسلطة. فلما أتيح له أن ينشئ مجمع البحوث الإسلامية ليكون أداة لتحقيق أمله في وحدة المسلمين، لم يتوان لحظة في سبيل ذلك، وأنشئ المجمع ـ بحمد الله وتوفيقه ـ ومازال يؤدي مهمته في ربط أواصر التواصل العلمي بين المسلمين والأخذ بأيديهم في سبيل تلك الوحدة بعيداً عن الوقوع في براثن الخلاف الممزق.