ولم يقتصر الأمر في هذا المجال على جدية التعامل وحدها، ولكنه اختار لنفسه أسلوباً لغوياً يتسم بالجزالة والرقي وبلاغة التعبير في غير تقعر، وبعيداً عن الأساليب المعقدة والعبارات الغريبة، كان دقيقاً في أسلوبه إلى الحد الذي يتعذر فيه حذف كلمة منه، أو استبدال عبارة بغيرها، إذ لو تم ذلك فلربما لا يتحقق المعنى الذي يريده مما كتب. المطلب الثاني: البعد الموضوعي في فقه الإمام محمود شلتوت ولفقه الإمام الأكبر المرحوم محمود شلتوت بعد آخر يتعلق بالموضوع في المسائل التي تناولها. وله في هذا المجال منهج واضح وأسلوب ظاهر كفلق الصبح يمكن إدراكه ويتسنى الوقوف عليه، بيد أن من يريد أن يقف على كنه منزلة الإمام في هذا المجال لا يجوز له أن يقف عند تشابه مسميات الموضوعات فيما كتب؛ لأن ما كتب فيه قد يكون محل تناول ودراسات مستفيضة من عشرات العلماء غيره، إلا أنه مع ذلك التشابه يبقى متميزاً ومتفرداً في كيفية التناول، وفي هذا الصدد يمكن أبراز أمرين: أولهما: نقاء العقيدة وتنزيه الوحدانية من علائق الشرك فقد كان الإمام محمود شلتوت ـ رحمه الله ـ صاحب عقيدة صافية، وإيمان قوي لا يعرف الدخل، ولا يرتضي الشوائب، ولا يقبل أن يتخوض فيما يخوض فيه غيره من السلوك المنافي لإخلاص العقيدة والبعد عن أتون الشرك بكافة أنواعه، ولهذا فإنه قد حمل حملة شعواء على ما يفعله العوام في الموالد، وحول قبور الأولياء، وفي هذا الإطار نعى على أولئك الذين يستغلون كتاب الله في الترويج لوسائل الدجل، وقال: إن استخدام القرآن في ذلك القصد به أربابه زلزلة الإنسانية الضعيفة، وصرفها عن جهات العلم النافع الذي يطمئنها في الحياة([32])، كما شنع على بدعة الموالد وأظهر ما تنطوي عليه من المفاسد التي لا يقرها الدين، وفي ذلك يقول: إن لتلك الموالد عشاقاً يضعونها في مصاف الشؤون الدينية التي يتقربون بها إلى الله عن طريق الولي فيحفظون أمتعتهم ويرتحلون بقضهم وقضيضهم، برجالهم ونساءهم بشيوخهم وشبابهم، ويلقون بأحمالهم ـ كما يقولون ـ على شيال الحمول صاحب المولد،