أولهما: قيام منهجه العلمي فيه وفق الأعراف العلمية الصحيحة لقد سلك الإمام الأكبر منهجاً علمياً في تناول موضوعاته يقوم على نسق منطقي يتواءم مع ما تقتضي به الأعراف العلمية الصحيحة، فلم يغفل حسن العرض وجودة الترتيب، ونظم المسائل مع بعضها في دقة تجعل من حسن العرض وسيلة إلى يسر الفهم، ومساعدة القراء على سرعة الإلمام بتلك الموضوعات التي يشق استيعابها عليهم عادة، لما ركبت عليه من دقة، ولما تنطوي عليه من وجوه الدلالات ذات المغزى العلمي الدقيق، ويبدو ذلك واضحاً من بدء الكلام عن العقيدة على أساس أنها هي الأصل، ثم تكلم عن الشريعة باعتبار أنها هي الفروع القائمة على هذا الأصل، وفي النهاية تكلم عن المصادر وكيفية دلالتها على الأحكام، وذلك على أساس أن القارئ ـ وقد أحاط علماً بتفصيلات المسائل المتعلقة بالعقيدة والشريعة ـ يكون قد استشرف إلى معرفة المصادر التي استقيت منها تلك الأحكام وكيفية استخراجها منها، وهذا ترتيب منطقي يقره الحس السليم، والعقل السوي، وفي إطار القسم الواحد، بل والباب الواحد التزم هذا المنهج. ثانيهما: جدية التناول ورقي أسلوب المعالجة ولقد كان الإمام محمود شلتوت ـ رحمه الله ـ جاداً في تناوله للموضوعات التي عرضها في كتابه فجاء عرضه لتلك الموضوعات متسماً بالتأصل القائم على وعي تام بأسرار التشريع واستيعاب لعلل الأحكام والمقاصد التي يتغياها من إيراد الحكم في الموضوعات المختلفة، ولهذا كان عرضه مرآة صادقة لوسطية الإسلام واعتداله، وبعده عن الظلم والمحاباة بين بني البشر، وكان من اليسير عليه ـ وقد نحا في عرضه هذا المنحى الجاد ـ أن يدفع عن الإسلام الشبه التي رماه بها المستشرقون وغيرهم من الذين لم يفهموا الإسلام فهماً صحيحاً، أو الذين يحقدون عليه ولا يريدون ان يسمعوا له اسماً، وكان في رد تلك الشبه مقنعاً لخصوم الإسلام، قبل أن يكون منبهاً لأبنائه ومعلماً لهم، وآخذاً بأيديهم إلى مجالات الدفاع الصحيح عنه، فعل ذلك حين عرض لمنهج الإسلام في نظام المواريث، وفي موقف الإسلام من المرأة والقصاص، وحرية العقيدة والقتال، وغيره، وكان عرضة لتلك الشبه والرد عليها دقيقاً في فهمه سلساً في عرضه، منطقياً في إقناعه، عقلانياً في تعامله مع الأدلة الشرعية التي تناول بيانها.