الفصل الثاني: اهتمام الإمام محمود شلتوت بالفقه المقارن كان الإمام محمود شلتوت فقيهاً من طراز متميز في فهم النصوص الشرعية واستنباط الأحكام منها، وقد جمع في ذلك بين الإحاطة العلمية بأدوات الاستنباط من أدلة التشريع، مع حدة الذكاء وقوة البديهة، وفقه النفس الذي ينطوي على إلمام كبير بأحوال الناس وظروفهم، وبواعث التصرفات التي تصدر منه على نحو يبصره بالحكم الصحيح على كل حالة رغم تشابه المظهر في التصرف المحكوم عليه، وقد مكنه من ذلك: أنه قد مارس المحاماة في فترة من حياته حين فصل من الأزهر في عهد الإمام الظواهري، فكان فصله من الأزهر كالمضرة النافعة، وقد اجتمعت تلك العوامل في فقهه فجعلت منه فقيهاً من كبار فقهاء عصره بلا جدال، ومكنته من استخراج الأحكام الفقهية لكثير من القضايا الملحة، التي لم يؤثر لقدامى الفقهاء فيها كتابات خاصة، فجمع في فقهه بين الأصالة والمعاصرة، واستطاع أن يطوع القواعد العامة للفقه الإسلامي، ومبادئ التشريع للفروع الخاصة التي استجدت في حياة الناس، وأصبحت تمثل حاجة ملحة تحتاج إلى معرفة حكمها الشرعي وفق ما حكم به الله ورسوله، ونعالج ذلك في مبحثين: المبحث الأول: أسباب اهتمام محمود شلتوت بالفقه المقارن لقد اهتم الإمام الأكبر بالفقه المقارن اهتماماً خاصاً، لأن ذلك النوع من الفقه هو الذي يمكن أن يشبع عقلاً متقد الذكاء في الإمام الجليل، فلم يكن بمقدور هذا العقل الكبير أن يقنع بآثار إمام واحد من الأئمة أو مجتهد ليس إلا من المجتهدين، فإن ذلك الأثر بالنسبة له محدود لا يملأ مساحة الذكاء في عقله، أو مقدار الفهم في قلبه، ولهذا كان نهمه شديداً بالوقوف على آراء الفقهاء في المذاهب المختلفة، حتى يستطيع أن يقف على أكبر قدر من الفقه في المسألة الواحدة بما يقدر معه على الانتقاء والموازنة والترجيح، واختيار الرأي الذي يناسب أحوال الناس، وحتى لا يقف أمامها مغلول اليد غير قادر على انتفاء الحكم الذي يلائم مقتضى أحوال الناس، فقد شاءت إرادة الله أن يجعل في اختلاف أفهام عباده رحمة اغتبطها