وفي مقابل هذا الاتجاه ـ ولاكثر من سبب ـ برز اتجاه ثانٍ يتعاطى مع قضية المعاصرة ولكن على حساب الأصالة، وبشيء كثير من (التحلل). هذا الاتجاه اعتبر “الرأي الشخصي ” أصلاً في فهم القرآن، واكتشاف العلوم الإسلامية. وقد نجد هذا الاتجاه في ظرفنا المعاصر تحت عنوان “ تعدد القراءات ” حيث يرفض وجود ثوابت للحق، واصول مقرّة في اكتشافه كما سنقف عند ذلك في فصل لاحق باذن الله تعالى. نظرية أهل البيت (عليهم السلام) لقد بذل الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) جهداً واسعاً في تأسيس الاتجاه الصحيح للتوفيق بين الأصالة والمعاصرة، واستعدوا من أجل هذا التأسيس لتحمّل نتائج مرّة كلّفتهم أحياناً عزلاً سياسياً، وحصاراً فكرياً، وخاضوا من أجل هذا التأسيس أيضاً مواجهات مع الحكّام مرّة ومع التيارات الفكرية مرة أخرى، ولكن أهمية المسألة ودورها في الحفاظ على الإسلام هي التي جعلتهم على استعداد لدفع كل الضرائب اللازمة للأمر. ان “التحجّر ” يعنى إنحسار الإسلام واخفاقه وتحوّله على مر السنين إلى مجرد تراث تاريخى يستحق أن يوضع فىالمتاحف. كما أن “التحلل ” والاسفاف في العصرنة على حساب الأصالة هو الآخر يؤدى الى تشذّب الإسلام تدريجياً حتى لا يبقى منه إلا اسمه. إن تصلّب الائمة الأطهار (عليهم السلام) في مسألة التوفيق بين الأصالة والمعاصرة والتمسك بالعنصرين معاً كان ناشئاً من اعتبار هذه المسألة مسألة حياتية ومصيريّة للإسلام وإن اي خطأ فيها من هذا الجانب أو ذاك سيؤدىالى نهاية الإسلام. ولعل مقولة الامام على(عليه السلام) ” قصم ظهري اثنان عالم متهتك وجاهل متنسّك ” تحمل في بعض دلالاتها الاشارة إلى هذين الخطرين “التحجّر ” و“التحلّل ”