إن ما يجعل السياحة في العالم المعاصر، أداة لتكريس وتشديد الهيمنة الثقافية الغربية وعملية العولمة، هو تسرب الطابع العام إلى صميم هذه الممارسة الثقافية القديمة، وتشكل "سياحة جماعية" تسود هذا القطاع من حياة الإنسان. "السياحة الجماعية" عبارة عن تدفق رتيب لأعداد كبيرة من السياح إلى مناطق معينة لقضاء أيام العطلة. وقد تطورت هذه الظاهرة ابتداءً من عقد الستينات في القرن العشرين، مع تراكم الثروة، وتطويل فترات العطل، وانخفاض تكاليف السفر داخل البلدان الصناعية ومنها إلى البلدان الأخرى. وقد اتجهت هذه الحركة السياحية في البداية صوب مناطق تتمتع بالشمس والرمال والبحر (OISSEVAIN, 2000, P. 383). شكلت هذه الخصائص الثلاث ومعها "الجنس" بوصفها جزءاً لا يتجزأ من الحضارة الغربية "رباعياً لا مقدساً" (Unholy Quarter) للسياحة الجماعية. إن عبارة "الشمس، الرمال، البحر، والجنس" (Sun, Sand, Sea, Sex) المستعملة من قبل بعض أصحاب الإختصاص، تعبِّر عن اهتمامهم وشوقهم إلى حقب ماضية كان السفر فيها وقفاً على الطبقات الراقية والمتوسطة من المجتمع (SELWYN, 2000, P. 564). والحق أن اكتساب السياحة صبغة عامة، ينبغي أن يعد انحرافاً عن المسار الأصلي لهذه الظاهرة باعتبارها اتصالاً فردياً في حياة الإنسان. التشويش الذي منيت به هذه العملية الإتصالية في الحضارة الغربية، أخطر وأعمق وأوسع من أن يعد تشويشاً كغيره من التشويشات التي قد تطرأ أحياناً أشكال الإتصال الأخرى. إن بروز هذا التشويش في عملية الإتصال السياحي، وبما هو منبثق عن تبلور نمط جديد من المجتمعات والثقافة داخل الحضارة المهيمنة ظل مستمراً إلى أن أفضى إلى قلب ماهية هذا النشاط الإنساني. إن السياحة بوصفها ممارسة ثقافية صانعة للحضارات، لم تعد اليوم ذكرى في أذهان المطلعين على التأريخ يصعب جداً إحياؤها من جديد. السبب الذي أدى إلى انحراف السياحة اليوم عن مسارها التواصلي الطبيعي، هو سطحية الإتصال بين السياح ومضيِّفيهم بفعل تراكم البرامج والفقرات في السياحة بنوعها العام، وضآلة الأوقات المخصصة لإقامة اتصالات وعلاقات معمقة. ويمكن متابعة هذه العملية بكل وضوح في مصير المنطقة السياحية منذ انطلاقتها وحتى النهاية بحسب ما سبق أن أوردناه في نموذجي المراحل الست والمراحل الأربع.