من المفاهيم الأخرى المستخدمة في شرح تبعات الثقافة العامة، مفهوم "الهروب من الحقيقة". ففي المجتمع الذي يشعر فيه الإنسان بالوحدة المريرة رغم تواجده بين الآخرين، يبدو الهروب من حقائق المجتمع الثقيلة أمراً طبيعياً. وبوسع هذا الهروب أن يشمل طيفاً واسعاً من شتى الحالات. فالأفلام التي تتناول مواضيع الهروب من السجن أو من ظروف خطيرة، والرسوم غير الواقعية، والألعاب الكمبيوترية، وألعاب الحقيقة المجازية، تندرج كلها ضمن هذه المقولة. مفهوم "السلطة" هو الآخر أحد أهم المفاهيم الفاعلة في معرفة المجتمع العام والثقافة العامة. نقاد هذه الثقافة لا يرون في ظهورها انهيار السلطات السابقة، إنّما عرضاً جديداً لسلطة جديدة، هي سلطة التقنية الحديثة. والحقيقة أن هؤلاء النقاد لا يرون الثقافة العامة مجرد ثقافة، إنّما هي جزء من الجهاز السلطوي العام في المجتمعات الحديثة. فثمة في المجتمع العام علاقات وثيقة بين الثقافة الحديثة ووسائل الإنتاج والتقنية والسلطة. وبالقضاء على التنوع وقمع الأصوات المعارضة في هذه الثقافة، تطرح "صيانة الذات" و"اللذة" كحقائق مركزية تكتسب كل شؤون الحياة معانيها وفقاً لها.(بشيرية 1998) وحيث أن أدوات إدارة الثقافة وصناعة الثقافة تتمتع في هذا النمط الثقافي بأهمية قصوى، لذا تتمتع وسائل الإعلام العامة ومدراؤها بمكانة ممتازة في المجتمع العام. ولا ريب أن إحدى السبل المهمة لفرض التفوق ولهيمنة الرأسمالية الغربية (والأميركية على رأسها) في المجتمع العام، والحفاظ على هذه الهيمنة العالمية، هو استخدام القدرات المذهلة لوسائل الإعلام العامة في خلق صورة مزيفة للحضارة الغربية وللحضارات والثقافات الأخرى. تستعين وسائل الإعلام هذه بآخر المنجزات الإنسانية في حقل تقنية الإتصالات، لتضاعف في كل حين من سرعة وكيفية واتساع اتصالها، جاعلة الغرب كعبة آمال المنفصلين عن تواريخهم وهوياتهم الذاتية. والذي يحصل في السياحة المعاصرة إنّما يحصل وفقاً لهذا النموذج، فالصورة التي تصطنع للبلدان الغربيةعبر السياحة، توحي بتفوق كبير تتمتع به من حيث مستوى المعيشة في أذهان البلدان المضيِّفة. وتحاول البلدان المضيِّفة بدورها وبالرغم مما تعانيه من فقر وتباينات طبقية، أن توفر هذا المستوى الراقي عند زيارات الأسياد الغربيين إليها، وأن تحقق لهم ما يشبه حياتهم المصورة في العملية السياحية. وقد تؤدي هذه الظاهرة في حال عدم وجود إدارة قوية، إلى زيادة الإستيراد من البلدان الباعثة للسياح، ما يعيد أرباح السياحة إلى البلدان الغربية، ويساعد بنحو ملحوظ على إيجاد وحفظ صورة التفوق الغربي، وبالتالي تكريس التغريب والسلطوية العالمية للحضارة الغربية، أو العولمة بعبارة أوضح.