المقذوف لا يلحقه شين بهذا الكلام وإنما يلحق القاذف فكل أحد يعلم أنه آدمي وليس بحمار وأن القاذف كاذب وكذلك لو قال يا كلب وحكي عن الهندواني أنه قال يعزر في عرف ديارنا لأن هذا اللفظ فينا يذكر للشتيمة والأصح أنه لا يعزر لأن من عادة العرب إطلاق هذا الاسم لمعنى المبالغة في الطلب وقلة الاستحياء فقد يسمون به كالكلبي ونحوه ثم كل أحد يعلم أنه كاذب فالشين يلحقه دون المقذوف .
( قال ) ( وإذا قال له فجرت بفلانة وجامعتها أو فعلت بها فسمى الفحش لم يكن عليه في ذلك حد ) لأنه ما صرح بالقذف بالزنى وفي الأسباب الموجبة للحد يعتبر عين النص فما لم يقذفه بصريح الزنى لا يتقرر السبب .
( قال ) ( وإذا عرض بالزنى فقال أما أنا فلست بزان فلا حد عليه عندنا ) وقال مالك رحمه الله تعالى يحد والاختلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم فعمر رضي الله عنه كان لا يوجب الحد في مثل هذا ويقول في حال المخاصمة مع الغير مقصوده بهذا اللفظ نسبة صاحبه إلى الشين وتزكيته لنفسه لا أن يكون قذفا للغير وأخذنا بقوله لأنه أن تصور معنى القذف بهذا اللفظ فهو بطريق المفهوم والمفهوم ليس بحجة .
( قال ) ( فإن قال قد أخبرت أنك زان فلا حد عليه ) لأنه ما نسبه إلى الزنى إنما حكى خبر مخبر والخبر قد يكون صدقا وقد يكون كذبا فالمخبر يكون حاكيا للقذف عن الغير لا قاذفا وإن قال اذهب فقل لفلان أنك زان فالمرسل لا يكون قاذفا له بهذا لأنه أمر الغير أن يقذفه وبالأمر لا يصير قاذفا كما أنه بالأمر بالقتل لا يكون قاتلا فإن ذهب الرسول وحكى كلام المرسل على وجه تبليغ الرسالة لا حد عليه لأنه حاك كلام الغير وإن قال الرسول أنت زان فعليه الحد لأنه قاذف له بالزنى وكذلك لو قال أشهدني رجل على شهادته بأنك زان فهو إنما ذكر شهادة الغير إياه فيكون قاذفا .
( قال ) ( وإذا قال للعبد يا زاني فقال لا بل أنت حد العبد ) لأن قوله لا بل أنت معناه بل أنت الزاني فإن كلمة لا بل لاستدراك الغلط وهو غير مفهوم المعنى بنفسه فلا بد من أن يجعل ما تقدم معادا فيه فصار كل واحد منهما قاذفا لصاحبه ولكن الحد لا يجب على الحر بقذف العبد ويجب على العبد بقذف الحر وإن كانا حرين فعلى كل واحد منهما الحد لصاحبه .
( قال ) ( وإن قال لرجل يا زاني فقال رجل آخر صدقت لم يحد المصدق ) لأنه ما صرح بنسبته إلى الزنى وتصديقه إياه لفظ محتمل يجوز أن يكون المراد به في الزنى وفي غيره وإن كان باعتبار الظاهر إنما يفهم منه التصديق في الزنى ولكن هذا الظاهر لا يكفي لإيجاب الحد إلا أن يكون