[549] والتعبير بـ "يصدعون" من مادة "صدع" معناه في الأصل: كسر الإناء، ثمّ انتقل بالتدريج إلى أي نوع من أنواع التفرق والتشتت. وهنا إشارة إلى انفصال صفوف أهل الجنان عن صفوف أهل النيران، وكل من هذه الصفوف يتفرق إلى عدة صفوف، وذلك لسلسلة المراتب في الجنان، ودركات النيران "والعياذ بالله". والآية التالية ـ بيان لهذا الإنفصال في يوم القيامة، إذ تقول: (من كفر فعليه كفرُه ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون ). كلمة "يمهدون" مشتقّة من "المهد" على زنة "عهد" وكما يقول الراغب في مفرداته فإنّ معناه السرير المعدّ للطفل، ثمّ توسعوا في المعنى فصار المهد والمهاد لكل مكان مهيأ ومعد "وفيه منتهى الدعة والراحة" وقد انتخب هذا التعبير لأهل الجنّة والمؤمنين الصالحين، من هذه الجهة. والخلاصة: لا تحسبوا أن إيمانكم وكفركم وأعمالكم الصالحة والطالحة لها أثر على الله، بل أنتم الذين تفرحون بها أو تساءون (يوم ترونها ). ومن الطريف أنّ القرآن اكتفى في شأن الكفار بالتعبير بـ (ومن كفر فعليه كفره ) ولكن بالنسبة للمؤمنين تضيف الآية التالية: أن المؤمنين لا يرون أعمالهم فحسب، بل يوليهم الله من مواهبه وفضله فيقول: (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله ). ومن المسلّم به أن هذا الفضل لا يشمل الكفار إذ (إنّه لا يحب الكافرين )... ولا شك أنّ الله يعاملهم وفق عدالته، ويجزيهم ما يستحقون، لا أكثر، لكن لاينالهم منه فضل وموهبة أيضاً. * * *